وفي ما يلي نص الرسالة الملكية السامية التي تلاها وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد :
" الحمد لله وحده٬ والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه٬
أصحاب المعالي والسعادة٬
أفراد أسر ضحايا الاعتداء الإرهابي لأركانة٬
حضرات السيدات والسادة٬
في مثل هذا اليوم من السنة الماضية٬ طالت أيادي الغدر والعدوان حياة عدد من الأبرياء٬ بعمل إرهابي شنيع٬ استهدف ساحة جامع الفنا بمدينة مراكش الحمراء٬ ومقهى أركانة بالذات.
وإننا لنستحضر٬ بكل تأثر وإكبار٬ الأرواح الطاهرة لهؤلاء الضحايا٬ الذين شاءت الأقدار أن يتواجدوا في تلك اللحظة من الزمن٬ في فضاء من التراث العالمي للإنسانية بمدينة آمنة مطمئنة٬ لطالما فتحت قلبها لزوارها. ولم يكن ليخطر على بال أحد منهم أن يد العدوان ستطالهم٬ رحمهم الله مع الشهداء من عباده٬ المنعم عليهم بالجنة والرضوان.
وبمزيج من مشاعر التأثر والأمل٬ نجدد التعبير لكافة الأسر المكلومة وذويهم٬ من مختلف الجنسيات٬ من فرنسا وهولندا وسويسرا وبريطانيا وكندا ومن المغرب٬ عن أصدق مشاعر تعاطفنا وتضامننا معهم في فقدان أعزائهم.
كما نجدد الإعراب للمصابين في هذا العدوان الجبان٬ عن أصدق متمنياتنا لهم بالشفاء الكامل٬ واسترجاع صحتهم وعافيتهم٬ وتجاوز الآثار الصعبة التي خلفها هذا الإجرام الآثم في أنفسهم.
إن هذا العمل الإرهابي الشنيع لم يستهدف المغرب ومدينة مراكش فقط٬ وإنما استهدف٬ يائسا٬ أيضا ما يجمع بلادنا بدول صديقة تربطها وشعوبها بالمملكة أواصر متينة من التشبث بالقيم المثلى للإخاء والتضامن والتواصل والتفاهم والديمقراطية والتقدم.
حضرات السيدات والسادة٬
إننا نجدد إدانتنا٬ وبكل قوة٬ للإرهاب المقيت٬ بكل أشكاله٬ ومهما كانت دوافعه وأسبابه٬ لكونه يتنافى مع القيم الإسلامية السمحة٬ ومع المبادئ الكونية السامية٬ التي تقدس الحق في الحياة٬ الذي حرصنا على تكريسه في صدارة حقوق الإنسان٬ كما هو متعارف عليها عالميا٬ في الدستور الجديد للمملكة.
فكان الإجماع الشعبي على هذا الدستور الديمقراطي المتقدم٬ خير برهان على أن الإرهاب لن يزيد المغرب والمغاربة إلا إصرارا على السير إلى الأمام٬ في ترسيخ التطور الديمقراطي والانفتاح٬ ونبذ نزوعات وعصابات الإرهاب الظلامية المقيتة٬ حيثما كانت.
وفي ظرفية يتزايد فيها خطر الإرهاب دوليا وفي محيطنا الجهوي الإفريقي٬ نؤكد التزام المغرب الراسخ بمواصلة انخراطه الفعال في الجهود الجهوية والدولية الهادفة للتصدي لهذه الآفة العابرة للحدود٬ والتي لا دين لها ولا وطن٬ ومحاربة شبكاتها وعصاباتها الإجرامية بلا هوادة٬ والعمل على تجفيف منابعها.
ونود في هذا المضمار٬ تجديد الإشادة بالمصالح الأمنية الوطنية٬ بكل مكوناتها٬ وما أبانت عنه من احترافية وفعالية وتعبئة ويقظة٬ في القيام بواجبها الوطني والمهني٬ في حماية أمن وطمأنينة المواطنين وممتلكاتهم٬ ورصد وإفشال المحاولات والمؤامرات العدوانية٬ وتفكيك الشبكات الإرهابية٬ التي تحاول يائسة المس بأمن الوطن واستقراره٬ ومكاسبه الديمقراطية٬ ومسيراته التنموية.
كما نؤكد نهج المغرب الراسخ في التصدي للإرهاب٬ باستراتيجية شمولية٬ ومتعددة الأبعاد٬ يتكامل فيها الجانب الأمني٬ مع التقدم الديمقراطي والعمل التنموي٬ ومع الإبداع الثقافي والفكري المتنور٬ في التزام بسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه٬ وفي ظل سلطة القضاء.
حضرات السيدات والسادة٬
إن عزمنا القوي على مواصلة الحرب ضد الإرهاب المقيت٬ لا يعادله إلا إصرارنا على المضي قدما في توطيد النموذج الديمقراطي التنموي المتميز٬ الذي ارتضاه المغاربة جميعا٬ في اعتزاز بهويتهم الروحية والحضارية العريقة٬ القائمة على الاعتدال والتسامح والانفتاح٬ ونبذ نزوعات التطرف والانغلاق والعدوان.
كما أننا حريصون على أن يظل المغرب٬ بحول الله وتوفيقه٬ وبإرادة جميع أبنائه٬ واحة أمن واستقرار٬ ومنارة مشعة للحوار والسلم٬ والتسامح والتفاعل الإيجابي بين مختلف الديانات والثقافات والحضارات.
وستظل مدينة مراكش الفيحاء٬ بفضل شهامة ونبل وبهجة سكانها٬ وكرم ضيافتها٬ وعراقتها التاريخية وانفتاحها على كل الحضارات٬ القلب النابض للسياحة المغربية٬ وملتقى للتواصل والتعارف والتفاهم٬ وقبلة لضيوف المغرب الكرام من مختلف الشعوب والأقطار٬ حيث يجدون فيها٬ على الدوام٬ ما تهفو إليه قلوبهم من طمأنينة وسلام٬ وما تصبو إليه نفوسهم من راحة واستجمام٬ وما يخالج مشاعرهم من مودة ووئام.
ولا يفوتنا في الختام٬ أن نتوجه بعبارات الشكر والتقدير٬ لكل من ساهم في تنظيم هذه التظاهرة المخلدة لهذه الذكرى الأليمة٬ التي بقدر ما هي تكريم لأرواح الضحايا الأبرياء٬ فإننا نعتبرها أيضا رسالة من ذوي الضمائر الحية والإرادات الحسنة٬ للتأكيد على نبذ الإرهاب والعدوان والإجرام٬ والدعوة للإخاء والمحبة والسلام٬ وإشاعة مشاعر التفاؤل والأمل في المستقبل.
قلوبنا ودعواتنا مع الضحايا وذويهم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".