وبالنظر لأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، تعكس هذه الزيارة الملكية، العزم الراسخ للمغرب والسنغال على المضي قدما في طريق تعزيز روابطهما العريقة وإرساء أسس تعاون يعود بالنفع على الطرفين، ويأخذ في الاعتبار تلبية حاجيات ساكنة البلدين.
على أن هذه الشراكة الاستثنائية، التي كانت في الماضي قائمة على ركيزة التبادلات الثقافية والدينية، تجددت بمرور الزمن وأضحت ترتكز، لضمان استمراريتها، على تعاون اقتصادي مربح للطرفين، إلى جانب التنمية البشرية وتقاسم التجارب.
ومن شأن العدد الكبير للاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، بمناسبة زيارة جلالة الملك للسنغال، والتي غطت مختلف المجالات، أن تعزز الترسانة القانونية المكثفة والغنية التي تؤطر التعاون الثنائي، والتي تتكون من نحو مائة اتفاقية تشمل مختلف مجالات التعاون بين البلدين.
وتعكس هذه الاتفاقيات فضلا عن ذلك ، الالتزام الراسخ لجلالة الملك، من أجل العمل على تقوية تعاون جنوب-جنوب متضامن وفعال مع بلدان إفريقيا، يضع العنصر البشري في صلب مسار وأهداف التنمية، كما يشهد على ذلك على سبيل المثال اتفاق المقر المبرم بين مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة والحكومة السنغالية.
وهكذا فمن شأن التعاون القطاعي، خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني والسياحة والصناعة والجمارك، أن يعطي دفعة جديدة للترسانة المؤسساتية والقانونية التي تؤطر الشراكة المثمرة والنموذجية التي لا تفتأ تتعزز بين المغرب والسنغال، كما هو الحال بالنسبة لتنصيب مجموعة الدفع الاقتصادي والنهوض بالشراكة العمومية الخاصة.
وباعتبارها مؤسسة ذات بعد استراتيجي ، ستساهم مجموعة الدفع الاقتصادي هذه، مما لا شك فيه، في هيكلة علاقات الشراكة الاقتصادية الثنائية وإعطاءها دفعة جديدة دينامية ، بما يمكن من تشجيع الشراكة بين القطاعين الخاصين بالبلدين وضمان متابعة إنجاز الاتفاقيات الموقعة.
ولا تقل باقي اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين أهمية ، بحيث تتعلق بمجالات حيوية مثل اللوجيستيك، وتبادل المساعدة الإدارية في مجال الجمارك، والإدارة الترابية، والتعاون في مجالي سلسلتي الحليب واللحوم، والصحة الحيوانية والصحة البيطرية العامة، والتكوين المهني، والتطهير والماء، إذ ستعطي بدورها دفعة حقيقية للشراكة الاقتصادية الثنائية وتعزز موقع المغرب كفاعل لا غنى عنه في مجال التنمية المستدامة والمتضامنة.
ومن هذا المنطلق، يبدو طبيعيا أن تبدي دول إفريقية أخرى اهتمامها بالاستفادة من التجربة المغربية والاستلهام منها ، كما هو الشأن بالنسبة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وذلك باعتبار المملكة شريكا حقيقيا للتنمية، كما أبرز ذلك بيتر فام، مدير مركز إفريقيا التابع لمجموعة التفكير الأمريكية "المجلس الأطلسي" (أطلانتيك كاونسل).
وانسجاما مع هذا التوجه يأتي بناء محطة للتفريغ مهيأة للصيد التقليدي بموقع سومبيديون بدكار بتمويل من مؤسسة محمد السادس للتنمية المستدامة، بغلاف مالي يقدر ب 20 مليون درهم، وكذا هبة الأدوية والمعدات التي سلمها جلالة الملك للمركز الاستشفائي الجامعي فان بدكار، ليعكس مجددا رؤية جلالة الملك الذي حرص باستمرار على إضفاء محتوى إنساني لتضامن المغرب مع بلدان القارة عبر أعمال ملموسة تروم مساعدتها على محاربة فعالة للأوبئة وتحسين ظروف عيش الطبقات الاجتماعية الهشة.
وفي نفس السياق يمكن التذكير بمشروع ربط قريتين بشبكة الكهرباء الوطنية السنغالية، الذي يشرف عليه المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب إثر طلبي عروض دوليين، والمشروع العقاري "مدينة الموظفين" التي تنجزها شركة "بيكوك انفستمنت" فرع المجموعة المغربية "هول ماركوم" في القطب الحضري ديامياديو بدكار، وكذا تحويل موقع مطار ليوبولد سيدار سنغور الدولي لقطب حضري مندمج بفضل خبرة صندوق الإيداع والتدبير، وهي مشاريع تعكس التزام المملكة، تحت قيادة جلالة الملك، بالمساهمة في التنمية السوسيو-اقتصادية للبلدان الشقيقة والصديقة، بما فيها السنغال، عبر مشاريع ذات وقع اجتماعي قوي.
وقبيل مغادرة جلالة الملك لهذا البلد الشقيق ، سلم جلالته بمقر وزارة الصحة والعمل الاجتماعي السينغالية، بدكار، هبة ملكية عبارة عن كمية من الأدوية، للمجلس الوطني السينغالي لمكافحة داء السيدا.
وتشكل هذه الهبة الملكية التي تمنح بعدا إنسانيا للزيارة الملكية إلى السينغال، تكريسا جديدا للتعاون المكثف والمتقدم الذي يربط المغرب بالسينغال في مجال الصحة والتكوين الطبي وشبه الطبي.
ولم يفت الصحافة السنغالية إبراز الدينامية الجديدة التي أضحت تطبع العلاقات المغربية السنغالية، على غرار يومية (لوصوليي) التي اعتبرت أن الزيارة الملكية لدكار "استثنائية تماما" بين البلدين الصديقين اللذين يجمعهما التاريخ والجغرافيا والإسلام منذ زمن قديم.
من جانبها، أكدت صحيفة (لونكيط)، التي ذكرت باتفاقيات التعاون ال 13 المبرمة تحت رئاسة جلالة الملك والرئيس السنغالي، أن ما يميز الاتفاقيات هذه المرة "أنها تتجه في 50 في المئة منها نحو التنمية البشرية ومشروع التنمية البشرية"، مشيرة إلى أن "العديد من الرؤساء الأفارقة عليهم الاستلهام من القدوة التي يمثلها جلالة الملك محمد السادس الذي يولي أهمية أساسية للقطاع الخاص".
ومن خلال شراكته النموذجية مع السنغال، فإن المغرب يفي كليا بتوجهه الإفريقي ويبرهن أمام العالم أن الشعوب الإفريقية يمكنها الاعتماد على تعاون جنوب-جنوب متبادل المنفعة في إرساء نموذجها الخاص للتنمية.
وتوجت الزيارة الملكية للسينغال، بإصدار بيان مشترك أكد فيه قائدا على العمل من أجل التوقيع على اتفاق للشراكة الاقتصادية بين المغرب والمجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا، وذلك اقتناعا منهما على أن التنمية الاقتصادية والاندماج الإقليمي يشكلان ردا مناسبا للتحديات الأمنية وإلى عدم الاستقرار.
وأشاد صاحب الجلالة والرئيس السنغالي بالشراكة الاستراتيجية المتفردة التي تربط بين المغرب والسنغال ،وأبرزا أن المشاريع التي أطلقت بمناسبة هذه الزيارة تعكس الرؤية المبتكرة والبراغماتية لقائدي البلدين من أجل استقرار وتنمية القارة الإفريقية، القائمة على تعاون جنوب-جنوب متضامن وفاعل.
وجدد الرئيس ماكي سال التأكيد على الدعم الثابت والراسخ للسنغال لمغربية الصحراء والوحدة الترابية للمملكة المغربية، فيما أثنى صاحب الجلالة الملك محمد السادس على الدور الذي تقوم به السنغال، كفاعل إقليمي، من أجل النهوض بالسلم والاستقرار وتعزيز الاندماج الاقتصادي في المنطقة الفرعية والإفريقية.