بيتيتا، الأم لخمسة أبناء والجدة لتسعة أحفاد، آثرت قبل أشهر الاستجابة لرغبتها وتجاهل خطابات التيئيس المشككة في قدرة المرأة عموما، ونساء الشعوب الأصلية على الخصوص، على مقارعة الرجال في معترك السياسة، وترشحت لمنصب نائبة عن الحزب الثوري الديمقراطي برسم الانتخابات العامة التي شهدتها بنما في ماي الفائت، فكان لها ما أرادت، وأصبحت أول امرأة من السكان الأهالي تظفر بهذا المنصب السياسي، بعد أن نافست عليه إلى جانب اثنين من المرشحين الذكور من أبناء قبيلتها.
وقد جعلت من التمكين السياسي والاقتصادي لنساء الشعوب الأصلية الشعار الأبرز خلال حملتها الانتخابية، وجددت التأكيد على هذا الهدف بعد انتخابها، خلال مختلف خرجاتها الإعلامية المحلية، والتي أوضحت فيها أيضا أنها ترشحت للبرلمان "لأن الذكور لم يفعلوا شيئا لمصلحة السكان الأصليين، رغم شغلهم لمناصب نواب في حكومات متعاقبة".
بيتيتا، وهي أيضا مقاولة بارزة تنشط في القطاع السياحي وسبق لها أيضا أن شغلت منصب مديرة إقليمية لوزارة التنمية الاجتماعية، انخرطت مبكرا في صفوف الحزب الثوري الديمقراطي الحاكم وتدرجت على مدى عقدين في العديد من مناصب المسؤولية داخله، قبل أن تتوج مسارها بشغل مقعد بالبرلمان البنمي في تشريعيات ماي الماضي.
وقد أكدت، في أكثر من مناسبة، أن الدفاع عن ثقافة وهوية منطقتها وعن حقوق بنات جلدتها والانخراط في تدبير الشأن السياسي لبلادها ككل، كان هو الدافع وراء سعيها لدخول البرلمان، وليس استغلال منصبها السياسي للاغتناء، وهي التي تتوفر على جزيرة في ملكيتها الخاصة وعلى مساحات شاسعة من الأراضي التي ورثتها عن أجدادها، فضلا عن العديد من الممتلكات والمشاريع الخاصة التي تديرها.
وتحكي بيتيا (55 عاما) أن طريقها لم يكن مفروشا بالورود، بل عانت من التمييز بسبب انتماءها للسكان الأصليين والتشكيك، حتى من داخل إثنية "غونا يالا" التي تنتمي إليها، في قدرتها على دخول حلبة السياسة والوصول إلى مراكز صنع القرار بالبلاد، والدفاع عن ثقافة وحقوق منطقتها.
بيد أن هذا التمييز والتشكيك لم ينل من عزيمتها، بل كان دافعا لاجتهادها من أجل تصحيح الأفكار التي غدته، ولذلك فهي توصي نساء الشعوب الأصلية بوصفة "الإصرار" و"الإدماج والاندماج" من أجل ممارسة القيادة النسائية، السياسية والاجتماعية، لتغيير أوضاعهن نحو الأحسن.
ولأنها استثناء في قبيلتها، حرصت بيتيتا على أن تكون استثناء أيضا داخل البرلمان البنمي، حيث تمردت على أعراف اللباس بالمؤسسة التشريعية التي تحرص على القدوم إليها بلباس "مولا" التقليدي الذي تحيكه نساء قبيلتها ويرمز إلى هويتهن المتأصلة، بدل الزي الرسمي ذي الطابع "الغربي"، على حد قولها، والذي تفرض قوانين المؤسسة على النواب والنائبات ارتداءه.
وكان اليوم الوحيد الذي "تنازلت" فيه عن لباسها التقليدي المحلي هو الأول من يوليوز الفائت الذي جرى خلاله حفل تنصيب أعضاء البرلمان المنتخب، وتقضي أعراف المؤسسة البرلمانية أن يرتدي خلاله كل النواب والنائبات وكذا الرئيس الجديد لباسا أبيضا بالكامل.
ولأن لكل إنسان من اسمه نصيب، للسياسية البنمية شيء من اسمها. فقد حكت، في إحدى مقابلاتها مع صحيفة محلية، كيف أن والدتها توجهت بها لأحد مكاتب الحالة المدنية بعد ولادتها لتسجيلها باسم "ليديا"، غير أن أحدهم بعين المكان قرأ في ملامحها الطفولية "شخصية ذات شأن في المستقبل"، واقترح على والدتها أن تطلق عليها اسم "بيتيتا"، تيمنا باسم السيدة الأولى للبلاد خلال ستينيات القرن الماضي، زوجة الرئيس الأسبق ماركو روبليس (1964ـ1968). وصدقت القراءة.