ستكتشف حبها للكتابة منذ الطفولة المبكرة. من مواليد أكادير لأم مغربية مدرسة وأب موريتاني قاض وشاعر، نشأت زكية وترعرعت في أسرة تسود فيها الثقافة. بالكاد كانت تبلغ من العمر 11 عاما، بدأت في تدوين يومياتها التي تزينها بالنكات والحكايات.. كان ذلك سبيلها الوحيد للهروب من من أجواء الملل السائدة.
على مر السنين، تبلور شغفها الواضح بالأدب في شكل عشرات من الإبداعات الأدبية والترجمات والمقالات التي أكسبتها تقدير أقرانها. منذ أن استقرت في أوسلو قبل عشرين عاما، وهي تعمل على نشر كتاباتها بالعربية والإنجليزية والنرويجية. في سنة 2004، ترجمت أولى مؤلفاتها "نهاية سرّي الخطير" إلى ثلاث لغات. كتاب بحمولة قوية، تهز العواطف وتحرك دواخلها.
بأسلوب مفعم بالحيوية والصفاء، وكلمات قاطعة وكتابة صارمة، مكنت هذه الرواية من اكتشاف، بل وإعادة اكتشاف، مخاض الواقع المرير الذي تمر به المرأة العربية بسبب الصور النمطية والتحيز المبني على الجنس، ولكنها تكشف بشكل خاص علو كعب موهبة في التأليف.
نكتشفها كذلك كمؤلفة مشاركة لكتاب "نرويجي نموذجي لتكون غير مهذب" (2005)، وهو العمل الذي تمت مناقشته على نطاق واسع في وسائل الإعلام لتشريح السلوك الاجتماعي للفرد. ومجموعتها القصصية "الأجانب في أرض الفايكنغ" (2008)، المستوحاة من أحداث حقيقية، بأسلوب ساخر على درجة من الإثارة لتحريك الكثير من المشاعر.
غالبا ما توصف كروائية مستنيرة وملتزمة؛ تستدعي زكية، بتواضع، بعدا أخلاقيا يستمد نسغه من فضاء المجتمع الفردي، مع ما يختمر فيه من تحيز وأحكام مسبقة. خلف الجانب الشيق، تغوص الكاتبة في عمق ثقافات من هنا وهناك وتتيح لقرائها فرصة الاقتراب، والاغتراف..
"في هذا البلد، تتقاطع جنسيات وألوان بشرة مختلفة، كنقطة التقاء للجميع بذواتهم. هنا، تصبح قضية الأجانب قضيتي بغض النظر عن الأصول"، تسر زكية خيرهم في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء.
"منذ وصولي إلى هذه الأرجاء، ازداد ارتباطي العميق بالبلد الأم، المغرب، وأنشغل بهموم العالم العربي عموما"، تقول هذه السيدة التي، التي أدركت عقدها السادس، ولكن بشعر لا يزال يكسوه السواد، ونظرات حاسمة، وجسد ثابت.
في منتصف تسعينيات القرن العشرين، سافرت زكية، محملة بالكثير من المشاعر الإنسانية، إلى النرويج، حيث التقت بزوجها مصطفى وقررت الاستقرار هناك، بعد حصولها على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي بجامعة سانت فرانسيس، في الولايات المتحدة.
سرعان ما تعلمت النرويجية بفضل دورات مكثفة، كأقصر طريق لتحقيق الاندماج الناجح في المجتمع الاسكندنافي -الفرداني لاشك، ولكن الإنساني في العمق- بعدها تمكنت من تقلد العديد من الوظائف.
بادئ الأمر، اشتغلت كمدرسة للغات في مدرسة خاصة بأوسلو، ثم في المركز الثقافي العراقي، انضمت إلى سلسلة مكتبات "نورلي" حيث كانت تقوم بترجمة الوثائق إلى اللغة النرويجية، وخاصة لأفراد الجالية العربية، بمن فيهم شخصية مرموقة كان اسمه: ياسر عرفات.
بعد ثماني سنوات، انضمت إلى مركز الأدب النرويجي “نورلا”، حيث تمارس عملها إلى يومنا هذا. وتهتم بترجمة الكتب الأدبية من الإنجليزية أو النرويجية إلى اللغة العربية.
وضمن ما اشتغلت عليه، على سبيل المثال لا الحصر "هنريك إبسن: كل شيء أو لا شيء" بقلـم شتاين إريك لوندي، و"عيون في غزة" بقلـم مادس غيلبرت وإريك فوس، و"فلسفة المستكشفين القطبيين" بقلـم إرلينغ كاغ و"بارساخ-إميلي، صموئيل وغران كناريا "لسيمون سترانغر، الذي مكنها في عام 2006 من الفوز بجائزة أفضل ترجمة في رام الله.
وفي عام 2008، شاركت في كتابة مسرحية بعنوان "هائل" مع الكاتبة المسرحية السويدية لينا ستايمر. واستلهم هذا العمل من "منزل الدمى" للمخرج هنريك إبسن (1828-1906)، وحقق هذا العمل الإبداعي نجاحا باهرا لدى الجمهور.
روائية وعضوة في اتحاد الكتاب النرويجيين والرئيسة السابقة لرابطة الكتاب المغاربة - قسم الدول الاسكندنافية - لمدة ثلاث سنوات تقريبا... زكية خيرهم هي ببساطة كاتبة لا تعرف الكلل.
وعلى الرغم من آلام في الساق، فإنها تحافظ على كامل طاقتها وحيويتها. وهي تقيم بانتظام المعارض الأدبية وتستجيب لدعوات كثيرة في المغرب وأوروبا والعالم العربي.
تعمل زكية حاليا على وضع اللمسات الأخيرة على رواية تحمل عنوان "نحيب"، بالإضافة إلى مجموعتين من القصص القصيرة عن السلوك البشري، مستمدة دائما من تجربتها الخاصة ومقابلاتها المتعددة من آفاق مختلفة.
إلى جانب ذلك، تعمل على ترجمة كتاب “كافحنا من أجل النرويج” لمؤلفه أرفيد برين، وهو عمل، كما تقول، بمثابة بورتريه لسفين بليندهايم وبيورن أوسترينغ، رجلين قاتلا على الجانب الآخر أثناء الحرب العالمية الثانية.
كتبت زكية خيرهم أيضا عددا من المقالات في الصحافة النرويجية، خاصة فيما يتعلق بمسألة الصحراء المغربية. في عام 2006، تم تعيينها "سفيرة السلام" من قبل الاتحاد من أجل السلام العالمي، تكريما لجهودها لتعزيز القيم الإنسانية. كما حصلت على جائزة في عام 2014 في الرباط خلال حفل تكريمي لـ "مغربيات العالم الموهوبات".
ليس هذا كل شيء! فن الخط هو واجهة أخرى لمواهب هذه السيدة المغربية. فإذا كانت الكتابة تسمح لها بالتعبير عن نفسها من خلال التنفيس عما يثقل الكاهل دون تأنيب أو تشكيك في العالم لإيصال رسالة إنسانية، فإن مقاربتها كخطاطة تبدو أكثر ارتباطا بالجانب الفني الجمالي. ووفقا لها، يتعلق الأمر بإعادة شحن العواطف، والابتعاد ما أمكن عن الراهنية المثقلة بالهواجس.
وتتذكر، بابتسامة عريضة على شفتيها كيف اكتشف والدها شغفها بالخط العربي في سن مبكرة "قرر منحي كتابا ضخما للبدء فيه. يرافقني القلم واللوحة أينما ذهبت، وأقوم برسم أصغر التفاصيل”.
نظمت أول معرض لها للخط العربي في أكادير، في نفس السنة التي حصلت فيها على شهادة البكالوريا، بعدها نظمت معارض أخرى في تونس وأنديانابوليس، بالولايات المتحدة.
أعمالها في الخط العربي التي تزين جنباتها منزلها، تظهر للوهلة الأولى كما لو أنها مصورة، سواء باللون الأسود أو بالألوان ولكنها بالتأكيد تتميز بجمال أخاذ.
بالنسبة لزكية خيرهم، "يجب على الإنسان أن يرتقي بنفسه فوق نفسه، إلى المستوى حيث يجب أن يكون ليحقق الإنسانية التي تسكنه".
لا شك أن الرسام الفرنسي أوجين ديلاكروا (1798-1863)، رائد التيار الرومانسي، كان محقا عندما قال إن "أعظم نصر للكاتب هو جعل أولئك الذين يمكنهم التفكير يفكرون!".