بدت تونس العاصمة وكأنها مدينة هجرها سكانها. القليلون تجرؤوا للخروج من منازلهم لقضاء احتياجاتهم الضرورية، ولاسيما لشراء المواد الغذائية الأساسية أو للتوجه إلى أقرب صيدلية لشراء الأدوية التي يحتاجونها.
وبالرغم من الإجراءات التي تم اتخاذها، ظلت هناك طوابير أمام المتاجر الصغيرة والمخابز، حيث انبرى العديد من التونسيين الذين يشعرون بالقلق والخوف إلى شراء كل شيء يجدونه أمامهم.
وأدت حمى الشراء هذه إلى اختفاء بعض المواد الأساسية، ولاسيما السميد والدقيق والحليب وحتى بعض مواد التنظيف.
وعلى الرغم من تنبيهات السلطات، فقد انتهى الأمر بالمضاربين إلى فرض قانونهم، إذ لوحظ ارتفاع في أسعار منتجات مثل الفواكه والخضروات وحتى السميد والدقيق.
وقد ارتفع عدد الأشخاص المصابين مع مرور الأيام إلى 75 حالة مؤكدة إلى غاية 22 مارس و 3 وفيات. وتتوزع حالات الإصابة بالفيروس على 15 ولاية من مجموع 26 في البلاد.
ومن أجل تجنب الأسوأ، اضطرت السلطات إلى اتخاذ تدابير مصاحبة لإنقاذ البلاد من كارثة صحية، وحماية الاقتصاد.
ويرى عدد من المراقبين أن هذه الأزمة غير المسبوقة أعادت في جميع أنحاء العالم الشعور بالحاجة الملحة إلى دور أكبر للدولة. دور للدولة، لا يقتصر على كونها سلطة تنظيمية فقط، وإنما كفاعل أساسي في حماية النسيج الاقتصادي والحفاظ على التوازن الاجتماعي.
واتسعت المطالبة بعودة دور الدولة، وبانخراطها، أكثر من أي وقت مضى، ولاسيما في ما يتعلق بتعبئة إيرادات استثنائية لضمان استمرار النشاط، مع إعطاء مؤشر قوي على الدور الذي يقع على عاتقها في سياق يفرض الوحدة وتعبئة كل الطاقات.
وبالنسبة لتونس، فإن هذه الأزمة تأتي في وقت دقيق تسعى فيه البلاد للخروج من أزمة اقتصادية واجتماعية متواصلة منذ أكثر من تسع سنوات.
ولهذا السبب، فإنه يُنظر إلى هذا الوباء على أنه اختبار حقيقي بالنسبة للسلطات العمومية، التي أضحت مدعوة أكثر من أي وقت مضى، إلى استعادة سلطة الدولة وفرض القانون.
ومن أجل وضع حد لجميع أشكال المضاربات، حرص رئيس الحكومة التونسي، إلياس الفخفاخ، في كلمة موجهة إلى الشعب، على إقناع التونسيين بشأن الإجراءات المتخذة، في إطار معركة تونس في هذه الأزمة.
وأوضح في هذا الخصوص، أن هذه المعركة التي تخوضها تونس "لها كلفتها"، وأن "الحكومة اتخذت قرارات استثنائية مكلفة، ولكن ليس أمامها من خيار من أجل الاستمرار والصمود والمحافظة على النسيج الاقتصادي الوطني".
وأضاف أن حوالي مليون ونصف المليون تونسي سيستمرون في العمل، حتى لا تتوقف كافة المرافق، وأن كافة الدوائر الحكومية مجندة (...) لتقديم التوضيحات اللازمة والاجابة على تساؤلات المواطنين".
الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة كانت تتويجا لمشاورات واسعة جمعت كل المنظمات الوطنية والمهنية.
وتجسد تلك الإجراءات في الوقت نفسه، توصيات دراسة حول تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد التونسي، دعا إليها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات بشراكة مع المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية.
وحرص إلياس فاخفاخ على طمأنة مواطنيه من خلال تقديم المحاور الرئيسية للاستراتيجية التي اختارت البلاد اعتمادها والتي تركز على ثلاثة أهداف.
ويتمثل الهدف الأول وهو ذو طابع اجتماعي، في ضمان حياة كريمة للتونسيين في هذا الظرف، من خلال عدم ترك أي فئة في حالة حاجة. ويتعلق الهدف الثاني بأهمية الحفاظ على كافة مناصب الشغل، بينما يهم الهدف الثالث ضرورة عدم فقدان أية مقاولة.
ولهذه الغاية فإن الدولة أعلنت في هذا السياق، عن تعبئة 2.5 مليار دينار (أورو واحد يساوي 3.1 دينار)، للتخفيف والحد من آثار هذه الأزمة.
وفي هذا الإطار تم إقرار خط تمويل بقيمة 300 مليون دينار كمساعدات لفائدة العمال المحالين على البطالة الفنية، فيما ستشرف وزارة الشؤون الاجتماعية من جانبها على توزيع منح بقيمة إجمالية قدرها 150 مليون دينار لفائدة الفئات الهشة ومحدودي الدخل والفئات ذات الاحتياجات الخاصة.
وأبرز الفخفاخ بخصوص حزمة الاجراءات التي أقرتها الحكومة من أجل المحافظة على مناصب الشغل وضمان تواصل الدخل للعمال والأجراء والموظفين وتخفيف العبء المالي عليهم، أنه تم تأجيل دفع أقساط القروض البنكية لمدة 6 أشهر بالنسبة للأجراء الذين لا يتجاوز دخلهم الشهري ألف دينار، فضلا عن إيقاف كل القرارات التي تخص قطع الماء والكهرباء والهاتف لمدة شهرين.
وأشار الفخفاخ إلى أن الحكومة ستعمل على توفير اعتمادات إضافية بقيمة 500 مليون دينار لدعم المخزون الاستراتيجي من الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات.
وبخصوص المقاولات وخاصة المقاولات الصغرى والمتوسطة والناشطين الاقتصاديين للحساب الخاص الذين سيتضررون من تباطؤ نشاطهم، أفاد رئيس الحكومة التونسي بأنه تقرر تأجيل دفع الأداءات والمساهمة في الضمان الاجتماعي للثلاثية الثانية لمدة 3 أشهر ودفع أقساط الديون البنكية للمؤسسات المالية لمدة 6 أشهر ابتداء من فاتح أبريل المقبل بالاضافة إلى جدولة الديون الجبائية.
وبهدف المحافظة على المقاولات وتهيئتها للعودة إلى سالف نشاطها، أوضح إلياس الفخفاخ أنه تقرر بالخصوص وضع خط ضمان بقيمة 500 مليون دينار لتمكين الشركات من قروض جديدة للتصرف والأشغال وإحداث صناديق استثمارية بمبلغ إجمالي قدره 700 مليون دينار لهيكلة ورسملة المقاولات المتضررة.
ومن بين الإجراءات المتخذة أيضا السماح للشركات المصدرة كليا والناشطة في قطاعات الصناعات الغذائية والصحية بالرفع في نسبة التسويق في السوق المحلية من 30 في المائة إلى 100 في المائة خلال سنة 2020، و السماح للشركات المصدرة كليا الأخرى بالرفع في نسبة التسويق في السوق المحلية من 30 في المائة إلى 50 في المائة خلال السنة الجارية.
وأعلن إلياس الفخفاخ أن الحكومة، ومن أجل قيادة هذه المرحلة الاستثنائية بكامل النجاعة، ستطلب من المؤسسة التشريعية تمكين الحكومة من إصدار مراسيم لاتخاذ التدابير المستعجلة.
ومن نافلة القول إنه أمام هذا الوضع الصعب فإن هذه الإجراءات الاستثنائية والضرورية لا يمكنها أن تؤتي ثمارها المرجوة دون توفر روح التعاون والتضامن وتقاسم التضحيات.
ويرى عدد من المحللين أن التغلب على التحديات في المعركة ضد وباء كورونا تتطلب بالضرورة حسا عاليا من المسؤولية ودرجة عالية من الانضباط.