وقد كان مضمون الخطاب الذي ألقاه الرئيس التونسي قيس سعيد مساء أول الثلاثاء، في افتتاح مجلس الأمن القومي، مفاجئا بقدر ما أثار من التساؤلات.
ويرى العديد من المراقبين، أن أكثر ما أثار الانتباه هو الانتقادات التي وجهها الرئيس إلى عمل الحكومة، فضلا عن تطرقه لموضوع رجال الأعمال الذين يعتبرون متورطين في الفساد، والذين لم يهبوا لتقديم دعمهم للدولة.
ويبدو أن الرئيس انزعج من "النقائص" المسجلة، معبرا عن تفهمه "للإحتجاجات في بعض المدن والتي قام بها عدد من المحتاجين والفقراء"، في بعض الأحياء الفقيرة، وبعض المناطق الداخلية من البلاد.
ويبدو أن النقائص المسجلة في "إيصال المؤونة للتونسيين"، وفي معاقبة من يحتكر المواد الغذائية، وكذا في الإجراءات التي تم اتخاذها منذ أكثر من أسبوع، تبرر بشكل واضح غضب الرئيس قيس سعيد وخيبة أمله.
وقد شدد الرئيس التونسي بالخصوص على ضرورة التعجيل باتخاذ الإجراءات الكفيلة بإيصال المؤونة للتونسيين، "حتى نجعل الحياة مقبولة لكل الناس".
وأكد أيضا على وجوب "مراجعة طرق العمل التي تم اعتمادها وإعادة النظر في القانون الجزائي واعتبار من يحتكر المواد الغذائية مجرم حرب"، مشيرا إلى وجود "من يتخفّى وراء صفته، لارتكاب هذه الجرائم ويجب معاقبته".
وقال إنه في عام 2012 كان هناك ما يقرب من 13 مليون دينار (أورو واحد يساوي 3.15 دينار) مستحقة على الأشخاص المتورطين في الفساد، وأموالهم توجد في البنوك، متسائلا عن سبب عدم إرجاع تلك الأموال إلى الشعب التونسي؟.
وبالنسبة لبعض المراقبين، فإن الأمر كان يتطلب في السياق الحالي الطمأنة والشرح والتجميع واتخاذ القرار والتصرف بسرعة وبشجاعة وعزيمة.
وهنا يكمن العجز الذي تشكو منه حاليا البلاد، التي فضلا عن خطر انتشار الفيروس وانعكاساته على الحياة الاقتصادية، بدأت تواجه نوعا من الاستياء الاجتماعي في الأيام الأخيرة.
فقد تحدى سكان بعض الأحياء الفقيرة الحجر الشامل ليعبروا عن استيائهم بسبب ندرة المواد الأساسية، وغلاء أسعارها بشكل مفاجئ، وخاصة عدم وفاء الحكومة بوعودها المتعلقة بصرف المساعدات الاجتماعية للأسر المحتاجة ولذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد اضطرت الحكومة إلى التحرك وأصدرت برنامجا يتضمن الإجراءات الاستعجالية التي من شأنها احتواء الاستياء وتجنب انتشاره أيضا في مناطق أخرى من البلاد.
وقد خصصت جلسة عمل وزارية لمسار تنفيذ الإجراءات الاجتماعية المعلن عنها للمساعدة على مواجهة تبعات أزمة انتشار فيروس "كورونا" المستجد والمتعلقة بالمساعدات المالية والعينية والإجراءات الخاصة بالمؤسسات والمهن التي اضطرت للبطالة الفنية.
وهكذا ستوفر الدولة 60 ألف طرد من المواد الغذائية، سيُشرع في إيصالها إلى منازل المنتفعين بها انطلاقا من يوم الجمعة 3 أبريل الجاري وإلى غاية نهاية شهر رمضان.
كما تقرر فتح مدرسة إعدادية بكل معتمدية (بلدية) لقبول التبرعات من المواطنين وتأمين إيصالها إلى العائلات.
وتم كذلك رصد خط تمويل ب 300 مليون دينار لمرافقة المؤسسات (المقاولات) وأصحاب المهن المحالين على البطالة الفنية بسبب تداعيات أزمة كورونا.
وستشمل المساعدات الاجتماعية المعلنة العائلات الفقيرة باعتمادات إجمالية قدرت ب 150 مليون دينار.
وفي سياق ذلك تم التصويت على مشروع القانون المتعلق بتفعيل الفصل 70 من الدستور، يوم 31 مارس، من قبل لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية.
وتتيح الصيغة التي تم اعتمادها التفويض لرئيس الحكومة بإصدار المراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19).
وعلى الرغم مما شهده تدبير أزمة فيروس كورونا، فإن الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية، قوبلت بنوع من الفتور من قبل جانب من أوساط رجال الأعمال.
وتعتبر هذه الأوساط أن قضية رجال الأعمال الذين كانوا متواطئين مع النظام السابق قد أغلقت منذ خمس سنوات على الأقل، وأن معظم الأشخاص المعنيين قد تمت تبرئتهم من قبل القضاء، وأن الرسالة الموجهة من خلال تلك الكلمة من شأنها أن تزعزع استقرار القطاع الخاص، الذي يواجه حاليا صعوبات كثيرة.
ومن أجل رفع كل لبس، نشرت رئاسة الجمهورية، مساء أول أمس الثلاثاء، توضيحا حول ما جاء في كلمة رئيس الجمهورية، قيس سعيد في اجتماع مجلس الأمن القومي.
ومما جاء في ذلك التوضيح على الخصوص أنه "لم ترد في خطاب رئيس الجمهورية، قيس سعيد، أي إشارة إلى المصادرة، بل أن رئيس الدولة ذكر بما كان اقترحه منذ سنة 2012 بخصوص الصلح الجزائي مع المتورطين في قضايا الفساد المالي، حتى تكون المصالحة مع الشعب".