فأمام شراسة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الذي ينتشر على نحو سريع، وجدت السلطات الصحية في المغرب، كما في دول أخرى عديدة، في الكمامة سلاحا لامحيد عنه لمواجهة تفشي الفيروس الذي أودى بحياة مئات الآلاف عبر العالم، باعتبارها تحد من إمكانية الإصابة بعدواه.
وإلى جانب دورها الوقائي الصحي، تحولت الكمامة في زمن كورونا إلى أداة للتعبير الفني، بحيث لجأ العديدون إلى توظيفها لإنتاج أعمال فنية، مستخدمين تقنيات وفنونا متنوعة من التطريز والرسم الهاوي على الثوب، مرورا بالتصاميم الإلكترونية، ووصولا إلى الفنون التشكيلية الاحترافية.
وفي واحدة من المحاولات الفنية التي سعت إلى تحويل الكمامة، على صغر مساحتها، إلى قطعة من جمال، وظفت الشابة فاطمة الزهراء من الدار البيضاء قطعة ثوب بيضاء ملائمة، لتطرز عليها وردة باللون الوردي مرفوقة بعبارة "خليك فدارك تحمي راسك وبلادك". فكرة التطريز نفسها لجأت إليها الشابة كوثر، الذي طرزت على قطعة ثوب صممتها على شكل كمامة، زهورا وردية اللون تضفي جمالا على زيها العام.
من جانبها، أبدعت الشابة سارة في حياكة كمامة بخيط الصوف بتقنية "الكروشي"، يمكن وضعها فوق الكمامة العادية التي تحرص على ارتدائها عند خروجها لقضاء أغراضها.
وقالت سارة التي نشرت إبداعها على مجموعة "عقول مبدعة" على موقع (فايسبوك) التي تعنى بإبداعات الشباب في كل المجالات، إن الأمر يتعلق "بفكرة فقط ولا تحمي مثل الكمامة الطبية.. يمكن أن أستعملها بعد مرور الجائحة للتدفئة من البرد صباحا عند الخروج من المنزل في فصل الشتاء".
عمل فني آخر أنجزه الشاب يوسف، الذي لجأ إلى رسم فم يفتر عن ابتسامة ساخرة بشفتين مصبوغتين باللون الأحمر القاني، في إحالة مباشرة على شخصية (الجوكر) الذي اشتهر بهذه الابتسامة "الشريرة"، بما يحيل على رسالة ساخرة موجهة مباشرة إلى فيروس كورونا تقول "إنني أضع كمامتي ولا مجال لك لتصيبني".
مجال فني آخر هو فن التصوير الفوتوغرافي، لجأ له الشاب هشام الواحي، الذي قام بعرض صور باللون الأبيض والأسود لوجه شخص يرتدي كمامة، وفي الخلفية سماء ملبدة بالغيوم الرمادية في إشارة إلى "سوء الأحوال الجوية/الصحية" التي تميز زمن الجائحة، مرفقا إياها بعبارة "عافاك بقا فداركم. راك عزيز عليا" مترجمة إلى اللغتين الأمازيغية والانجليزية.
محاولات فنية أخرى وظف فيها أصحابها الكمامة، من خلال مهارات أخرى مثل رسمها بتقنية ثلاثية الأبعاد، أو توظيف برامج (الانفوغرافيا) لتصميم رسائل مكتوبة على كمامات بالحروف العربية واللاتينية تحث على استخدامها في فترة الحجر الصحي.
على أن توظيف الكمامة في الأعمال الفنية لم يقتصر على المبدعين الهواة فقط، وإنما تعداه إلى الفنانين المحترفين، ولاسيما في صفوف مبدعي الفن التشكيلي.
الفنان التشكيلي المغربي، فؤاد شردودي، واحد من هؤلاء الفنانين الذين لم يدخروا جهدا للمساهمة في الحرب المفتوحة على كورونا، حيث أنجز لوحة تشكيلية فنية عنونها "كورونا وورلد" (عالم كورونا)، ووظف فيها الكمامة التي فرضت وجودها في زمن الجائحة، ما جعلها جديرة بالتأريخ لدورها في مواجهة هذا الطارئ الصحي الذي لا يشهده العالم دائما.
وتنضاف هذه المساهمة الفنية للفنان شردودي، إلى لوحة أخرى أنجزها في السابق، صحيح أن لا علاقة لموضوعها بالجائحة، لكن صاحبها عرضها للبيع "للراغبين في المساهمة في ما يحتمه الواجب الإنساني والوطني من تضامن وتكافل في هذه الأيام العصيبة"، على أن يحول ثمنها كله مباشرة إلى الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا بالمملكة.
وتعليقا على مضمون لوحة شردودي (كورونا وورلد)، قال التشكيلي والناقد الفني، يونس عميروش، إنه في هذا العمل الفني "تصطف أشباه وجوه بكمامات خضراء في الأعلى، تنتهي (جهة اليسار) بما تبقى من جسد متهالك بفعل افتراس الفيروس القابع بشكله النافر في ال(هنا والآن)".
مبارك عمان، فنان تشكيلي مغربي آخر ألهمته "الجائحة" فكرة توظيف قطع من قماش لوحاته الفنية اقتطعها على شكل كمامات، وارتداها بنفسه ووضع صورة له وهو يرتديها على بروفايل صفحته على (فايسبوك).
وتعليقا على هذه المبادرة، قال الفنان عمان في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن فكرة اقتطاع قماش لوحاته على شكل كمامات تعد بمثابة "عملية توثيق لهذا الحدث الذي تعرفه الإنسانية باعتبار الجائحة ليست حدثا يتكرر دائما".
وبالفعل، ومن خلال الفكرة الخلاقة للفنان عمان، استحالت الكمامة التي تمتاز في العادة بلونها الأحادي، إلى لوحة فنية تغطي جزء كبيرا من الوجه، وتؤرخ لحدث يندر أن تشهد الإنسانية مثيلا له إلا في فترات متباعدة جدا، من خلال عمل يجمع في الآن ذاته بين دور وقائي صحي ودور فني ثقافي.
وبالفعل، فإن المتأمل لفكرة عمان يرصد بكل سهولة دورين متلازمين للفن في مواجهة كورونا. الدور الأول يتجلى في بعدها الجمالي باعتبارها تجعل صفحة الوجه بمثابة لوحة فنية متنقلة تسر الناظر إليها، علاوة على أنها "تبعث رسالة إلى كورونا" تقول له "نحن نواجهك بالفن أيضا". أما الدور الثاني، وهو دور افتراضي تخييلي، فيحيل على أن من يرتديها إنما "يتنفس الفن" بكل ما يحيل عليه هذا الأخير من ألوان الحياة والإقبال على الحياة.
وعن هذا الدور الثاني نفسه، يقول صديق للفنان عمان، يدعى عز الدين بورغا، تعليقا على الكمامة/ اللوحة "لنتنفس الفن، إنه الأكسجين والعلاج الطبيعي والإكسير العجيب للبقاء أحياء، في ما خلف جدران العزلة الصحية الاضطرارية. وحده الفن علاجنا".