وخلاف للعديد من مناطق العالم التي آثرت التشديد في الإجراءات الاحترازية، قام البلد الاسكندنافي مؤخرا بتدشين انفتاح حذر مع عودة الأطفال الصغار إلى حضاناتهم والتلاميذ دون الثانية عشرة إلى فصولهم.
كما استأنف أصحاب المهن الحرة أشغالهم، مثل أرباب سيارات التعليم، ومختبرات الأبحاث، وأخصائيي العلاج الطبيعي، وأطباء الأسنان، وصالونات التجميل والتدليك والوشم، وخصوصا صالونات الحلاقة.
والحال أن غياب مصففي الشعر بسبب الحجر الصحي، ومعظمهم من أصول شرق أوسطية، قد أثر بشكل واضح في مظهر الدنماركيين بل حتى في مزاجهم اليومي، حتى أن المدير العام لوكالة الصحة الدنماركية قام بحلق شعر رأسه بنفسه وأدى التكلفة لعلاء الدين حلاقه المعتاد عبر تطبيق موبايل باي.
وللمرء أن يتصور حجم الضغوط التي يتحملها، في أولى أيام رمضان الطويلة، علاء الدين وزملاؤه لإصلاح ما أفسدته ضربات المقص الهاوية خلال الحجر الصحي، وتعديل شعور كثة ومجعدة، وتعامل لبق مع أمزجة ليست كلها رائقة، ناهيك عن المخاطر الناجمة عن الاقتراب من الزبائن.
في هذا الجو المشحون أصلا، كان من اللافت تسجيل الدعوة التي وجهها وزير الاندماج لإجراء تحقيق في سبب التمثيل المفرط لمواطني الأقليات العرقية المختلفة في إحصاءات المصابين بفيروس كورونا.
تصريح ماتياس تيسفايي، المولود نفسه لأب إثيوبي وأم دانماركية، أملته ملاحظة طبية تشترك فيها الدنمارك مع النرويج والسويد المجاورتين، واللتان نشرتا أرقاما تفيد بارتفاع الإصابات في صفوف الأشخاص من أصول مهاجرة.
وكشف تقرير صادر عن المجلس الوطني السويدي للصحة أن المهاجرين المنحدرين من العراق وتركيا وسوريا والصومال وبلدان أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا ممثلون بشكل مفرط في عدد الإصابات بالفيروس.
وفي انتظار نتائج الاستطلاع، يرجح العديدون أن هذه الظاهرة ترتبط بطبيعة الوظائف التي يشغلها المهاجرون، وبمستويات المعيشة وظروف الإقامة ... ولكن أيضا -وأساسا- بالاختلافات الثقافية.
وربما لهذا الاعتبار تحديدا، بادر الوزير الدنماركي إلى تنبيه مواطنيه المسلمين، عشية رمضان، إلى الاكتفاء بالإفطار ضمن الأجواء العائلية المحدودة، في الوقت الذي يستمر العمل بإغلاق المساجد وتعليق صلاة التراويح.
في غضون ذلك، تستمر المراكز التجارية، في منطقة نوريبرو متعددة الثقافات، شمال كوبنهاغن، في تقديم خدماتها وعرض ما يلزم من مواد ضرورية لشهر رمضان، من تمور ولوز وجوز وبذور السمسم والعسل ومختلف أنواع التوابل، مع مراعاة ضوابط النظافة والتعقيم والتطهير والتباعد الاجتماعي.
على الشبكات الاجتماعية، ينتظر المغاربة مساء كل يوم وأيديهم على قلوبهم الإعلان اليومي من وزارة الصحة عن آخر تطورات الوباء في المغرب، هناك إلى حيث ترنو النفوس وتهفو القلوب.
ودون الإذعان للكآبة الناجمة عن كورونا، تعرض بعض الصفحات روابط لتبادل المعلومات بمقالات متعمقة، بينما تقدم أخرى باقات من النكت والنوادر، فيما تعرض أخرى مقاطع فيديو لإعداد أطباق مغربية أصيلة بمناسبة الشهر الفضيل.
سيدة مغربية متزوجة من دانماركي كانت أكثر وضوحا حين طلبت مساعدة استعجالية على الفايس بوك لكيفية إعداد الشباكية، السلعة النادرة جدا في هذه الأرض منذ أن أغلق المغرب حدوده.
إلى ذلك، ستبقى مساجد كوبنهاغن، مثل أماكن العبادة الأخرى، مغلقة إلى إشعار آخر، وهو القرار الذي أشادت به كافة الجمعيات الإسلامية بالدنمارك، فيما أفتى عدد من الأئمة ورجال الدين بجواز دفع الزكاة مسبقا لدعم جهود مكافحة الوباء.
وشاهدهم في ذلك قوله تعالى " حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" صدق الله العظيم.