وهذا الكتاب، الواقع في 283 صفحة، عبارة عن حوار يسافر بالقارئ عبر المحطات الكبرى في حياة محمود أمين العالم من الولادة ، وتأثير الأسرة والدراسة، فعشق الفلسفة ، والنقد الأدبي والفكري، ثم الهيام بالسياسة والانخراط فيها والاعتقال، والسجن، والمنفى، والحزب الشيوعي المصري.
ويقول عبد العزيز جدير في مقدمة الكتاب، إن هذا الكتاب الجديد " يندرج ضمن سلسلة (الحوار) مع كتاب استطاعوا نحت بصمات على تضاريس الثقافة العربية وجسدها، كما يمثل محاولة جديدة ضمن محاولات 'الحفاظ على الذاكرة' ، التي تدخل ضمن (سلسلة مع ...) ... سلسلة أردنا منها الوفاء لأعلام حرصنا على الحوار معهم، والرغبة في إشراك القارئ العناية بآثارهم .. وتقديم الدليل على أن قيمة ما يقدمه الإعلام العمومي تأتي على قدر المتلقي وعزيمة المقدم ".
ويضم المؤلف إثني عشر فصلا تتناول جوانب مختلفة من حياة محمود أمين العالم بدءا من ولادته بالحي الشعبي الدرب الأحمر في القاهرة وذكريات الطفولة ( الفصل الأول، دروب .. البدء)، إلى بداياته الأولى مع السياسة والحياة الحزبية (الفصل الثاني، فاكهة المعرفة والاستقلال)، إلى تجربته السجنية (الفصل الثالث ، واثمر ثمره)، مرورا بنقده لعدد من الكتاب الكبار، على رأسهم عباس محمود العقاد، وطه حسين (الفصل الخامس، كتاب في مرآة النقد)، وتجربته في مجال الصحافة (الفصل الثامن، معارك الهدنة).
ويصف الكاتب الحوار مع محمود أمين العالم ب"ماء زلال يترقق، تدثره العفوية، وتؤثثه الفكرة العميقة والاستجابة الرفيعة وانتثال الذكرى والفكرة شلالا يستوجب حفر خنادق لمحاصرته وتوجيهه .. والحوار معه تسكع فكري، ينتقل من الفكر الفلسفي إلى الماركسية فالتراث العربي الإسلامي فالسياسة فالأدب .. هو تسكع فكري عبر كل دروب المعرفة.. ".
كما أن محمود أمين العالم، يضيف عبد العزيز جدير، "طراز خاص من الكتاب والمثقفين ينحو نحو الندرة أو 'الانقراض'، فهو قادر على انتقاد موقف غير صائب سلكه، وهو يتريث حين يكون على صواب فلا يواجه من يراه مخطئا. وهو بذلك يبقى، في نظري، كاتبا مفكرا لا سياسيا تراوده الانتهازية على نفسه فتخرجه من جنة الحرية والاستقلالية النسبية طبعا وتلقي به في أحضان السياسة بمفهومها العربي المبتذل التي تبرر كل شيء أو كل موقف تقريبا، وتعجز عن تقديم النقد الذاتي أو نقد الإطار والتنظيم الذي ينتمي إليه، وبالمقابل فهو لا يتنكر لفكره ومعتقده".
وترك محمود أمين العالم، الذي وافته المنية سنة 2009، مجموعة من المؤلفات أبرزها "في الثقافة المصرية" (1955)، و"معارك فكرية" (1965)، و"الوجه والقناع في المسرح العربي المعاصر" (1973) ، و"الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر" (1986).
أما صاحب المؤلف، عبد العزيز جدير، فهو كاتب ومترجم وإعلامي، أنتج برامج على أمواج إذاعة طنجة، منها " أبجديات"، وله روايات وسير ذاتية لكتاب من المغرب والعالم العربي وباقي العالم من بينهم أحمد بوزفور، وعبد القادر الشاوي، وبول بولز.