1- بالنظر إلى حجمها، تتأثر المقاولات الصغرى والمتوسطة بالبيئة التي تنشط فيها. ما هي قراءتكم لوضعية هذه المقاولات في سياق أزمة (كوفيد-19)، وفي ضوء تشديد القيود ببعض المدن، مما أثر بقوة على انتعاش النشاط الاقتصادي؟
الوضعية الوبائية على المستوى الوطني تبقى مثيرة للقلق نظرا لارتفاع عدد الحالات الإيجابية. ويجدر التذكير بأن احترام التدابير الصحية والإجراءات الحاجزية مسؤولية جماعية يتعين تحملها قصد الحد من انتشار الفيروس، وكذا لتجنب عودة محتملة إلى حجر صحي سيكون له عواقب وخيمة على اقتصادنا، لاسيما بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة.
والواقع أن المقاولات المغربية الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة تتأثر على نحو كبير ببيئة اشتغالها (الداخلية والخارجية)، وتفشي وباء كوفيد- 19 أخضع مرونة العديد من القطاعات لاختبار عسير، ذلك أن المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة تعد واجهة أولى للتداعيات.
وقد مكنت أشغال لجنة اليقظة الاقتصادية التي تضم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من تقديم حلول ملموسة وفورية تتمثل في منتجات الخزينة على شاكلة ( ضمان أوكسجين) أو (ضمان إنعاش)، وكذا تأجيل الاستحقاقات الضريبية والاجتماعية، والمالية...
في الوقت الراهن، لم يعد عنصر المفاجأة واردا في تعاملنا مع هذا الفيروس، إذ أننا نتعايش معه منذ عدة شهور. كما يعمل الاتحاد العام لمقاولات المغرب والسلطات العمومية جنبا إلى جنب من أجل إتاحة حلول أخرى للإشكاليات الحالية والمستقبلية.
علاوة على ذلك، فالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة نفسها ماضية في البحث عن نقاط توازن جديدة. وهكذا، ترسم هذه المقاولات خارطة طريق خاصة بها، يتعين تحديثها بشكل منتظم للغاية في سياق معولم. زد على ذلك نصيبها من " الحواجز غير التعريفية" (من قبيل الصادرات الخالية من الكربون)، والسياسات الفردانية المبنية على " الأفضلية الوطنية" للدول أو المناطق (أوروبا).
وقد تم الإعلان عن آليات الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي وهي في طور التفعيل من طرف السلطات العمومية بالتنسيق مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب والشركاء الاجتماعيين، لاسيما مع توقيع ميثاق الإنعاش الاقتصادي والشغل، الذي تنخرط فيه كافة الأطراف المعنية بغية إنجاح هذا الإنعاش.
فضلا عن ذلك، قامت العديد من الوزارات مثل وزارة الصناعة والتجارة بإعادة النظر في نموذج التنمية الاقتصاية للبلاد، وذلك من خلال إيلاء مرتبة الريادة للبحث والتطوير وتصنيع منتجات جديدة بالمغرب لم تكن متاحة فيما قبل إلا عن طريق الاستيراد. كما أن انكماش الأسواق يدفع العالم أجمع إلى الاستعداد لحرب اقتصادية وتجارية بدأ وطيسها يشتد.
2- ما هي أبرز الصعوبات التي تواجهها المقاولات المغربية الصغرى والمتوسطة في الوقت الراهن؟
في السياق الحالي، تأثرت المقاولات الوطنية الصغرى والمتوسطة بشدة على عدة أصعدة: أولها، مستوى التدفق النقدي، فإذا كان (ضمان أوكسجين) و(ضمان إنعاش) قد أتاحا حلولا قصيرة الأمد، فإن الأمر يبقى دينا يثقل كاهل المؤشرات المالية للمقاولة، ويزيد تبعا لذلك من هشاشتها وقدرتها على الاستدانة مستقبلا من أجل الاستثمار.
ولتقديم حلول طويلة الأمد، يقترح الاتحاد العام لمقاولات المغرب مشروعا لإتاحة قروض طويلة الأمد موجهة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، الأمر الذي سيساهم لا محالة في تعافي أداء المقاولات وتحسين قدرتها التنافسية الكفيلة بمواجهة المنافسة الدولية التي ستكون حادة بكل تأكيد.
إلى جانب ذلك، نثمن النظام الأساسي الجديد لصندوق الضمان المركزي، والذي سيتحول إلى شكل من أشكال البنوك الاستثمارية الأكثر قدرة على الاستجابة لخصوصيات المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، ولا سيما من خلال منتجات الضمان، والتأمين، والمرافقة على شاكلة بنك الاستثمارات العامة الفرنسي.
وتظل آجال الأداء كذلك موضوعا شائكا سيمتد تأثيره إلى ما بعد فترة الوباء. والواقع أننا نشهد بالفعل تمديدا للآجال، لذلك ستشدد المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة شروطها التجارية على حساب التنمية أو الاستثمار. هنا مرة أخرى، يمضي الاتحاد العام لمقاولات المغرب قدما في هذا الملف حتى يتم فرض غرامات مالية على أي تأخير في سداد الديون.
أما من الناحية الاجتماعية، تواجه العديد من المقاولات خسائر كاملة أو جزئية لنشاطها، أو تضطر ببساطة إلى التحول إلى منتجات أو أسواق جديدة. وتظل هذه المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة معرضة لمخاطر وتكاليف اجتماعية ثابتة عالية - في حالة تغيير حجم القوى العاملة، أو إعادة توزيعها، أو إعادة تدريبها لاكتساب خبرات ومهارات جديدة. لهذا كله، يأمل الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في إطار الحوار الاجتماعي مع الشركاء الاجتماعيين على وجه الخصوص، أن يتم تقديم حلول عاجلة وملموسة، لا سيما من خلال إرساء مرونة التشغيل، والحق في الإضراب، ولكن أيضا من خلال توفير تغطية للمستخدمين بفضل "التعويض عن فقدان الشغل" الذي يقترح الاتحاد إعادة هيكلته.
الأكيد أنه يتعين أن يحظى التكوين بمكانة خاصة من أجل تقديم فرص شغل جديدة للمستخدمين في سوق يقتحم بشكل متسارع عالم الجيل الرقمي الرابع، وحيث تبحث المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة عن أسواق جديدة (غريزة البقاء).
وبالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة الصناعية، فإن الوضع يبدو أكثر صعوبة في ضوء التغيرات التي تشهدها الأسواق الدولية والتدابير الحمائية التي يتم اتخاذها داخل البلدان الشريكة قصد حماية مقاولاتها الوطنية. وهكذا، ضخت الاقتصادات في جميع أنحاء العالم مبالغ ضخمة في نسيجها الاقتصادي، مما سيخلق، دون أدنى شك، اختلالات على مستوى التنافسية بين مقاولات مختلف الاقتصادات.
ومن الملح اليوم، ليس فقط الانكباب على اتفاقيات التبادل الحر في ضوء آثار هذا الوباء على الاستراتيجيات الاقتصادية للدول والمناطق، ولكن أيضا تحليل الانحرافات الحالية والمستقبلية، وفقا لاتفاقات منظمة التجارة العالمية. كما يتعين إحداث هيئات لليقظة الاقتصادية والتجارية، بهدف إرساء "ذكاء اقتصادي" هجومي في ضوء المعارك التي تنتظرنا على الساحة الاقتصادية الدولية.
3- هل التدابير المتخذة لحد الآن كفيلة لوحدها بضمان استمرارية المقاولات الصغرى والمتوسطة المغربية خلال هذه الظرفية الدقيقة، أم أننا في حاجة إلى أدوات دعم أخرى؟
نعتقد داخل الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن كل واحد من الفاعلين المعنيين يجب أن يضطلع بدوره؛ القطاع الخاص، والسلطات العمومية، والشركاء الاجتماعيون.
يجب أن لا تتهاون المقاولات وتعتمد فقط على المساعدة والدعم. نعم للمساعدة، ولكن قصد تحقيق هدف محدد، والتعامل مع المواقف الحرجة، أو الطوارئ، أو المواكبة.
كما يتعين أن تعمل على التفكير في ولوج الأسواق المستقبلية الجديدة، ولكن أيضا في احتياجات الاستهلاك الجديدة. وسيتعين على العديد منها إعادة التحول نحو مهن جديدة. ومن المؤكد أنه سيتم الفوز بأسواق معينة وستضيع أسواق أخرى. وسيتم إيجاد نقطة توازن جديدة في العديد من قطاعات النشاط. على سبيل المثال، تأثرت منظومة السياحة بشكل كبير وستستمر في هذا المنحى. وهذا قطاع يحتاج إلى دعم على المدى القصير والمتوسط ، غير أنه يحتاج أيضا إلى المواكبة لاستعادة الأسواق بعد الأزمة.
نحيي كل الجهود التي بذلتها السلطات العمومية والبنوك التي تعبأت للحد من تأثير هذه الأزمة على المقاولات منذ بداية الأزمة الصحية.
وأخذا بعين الاعتبار تصنيف المقاولات المغربية الصغرى والمتوسطة، وهيكلة ميزانيتها التي لا تستجيب في بعض الأحيان للعديد من المتطلبات، نعتقد أن الإنعاش من خلال الاستهلاك سيكون أحد الحلول التي سيتم العمل على تنفيذها. وإلى جانب الاعتبارات الضريبية التي ستستجيب لهذا الاقتراح، من الضروري مواكبة مختلف قطاعات النشاط لإنعاش الاستهلاك (العقارات، السياحة، وغيرها).
وقد تم الإعلان عن إجراءات أخرى للإنعاش من قبل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، والتي توجد في طور التنزيل: ضخ 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، وصندوق الاستثمار الاستراتيجي الذي سيدعم المقاولات التي تعاني من نقص في رأس المال، وتوزيع قروض للإنعاش على المستوى الوطني، علاوة على التدابير الاجتماعية.