ولأن العمل الجماعي وروح الفريق مفتاح النجاح وتذليل الصعاب، انتظم هؤلاء الشباب قبل سنوات في جمعية حملت رسالة ضخ نفس جديد في شرايين كثير من أزقة وشوارع الحي وإلباسها حلة بهية تبث في نفس المقيم والزائر سرورا وبهجة.
تعددت مشاربهم وخلفياتهم، فمنهم الموظف ورجل التعليم والمهندس والطالب الجامعي والبقال والسائق ...، تشبعوا جميعهم بروح التكافل والتآزر ومبدأ التضحية ونكران الذات وآلوا على أنفسهم أن يمدوا جسور التواصل بينهم وبين محيطهم، وآمنوا بقيمة تعزيز الأواصر بين الأفراد والجماعات، واستوعبوا أهمية صقل ملكات الخلق والإبداع وتشجيع المبادرة الشخصية.
أدرك هؤلاء الشباب، وهم يخوضون غمار العمل التطوعي في إطار جمعوي، أهمية اكتساب ومراكمة تجارب ميدانية وعملية تنفعهم في حياتهم وتمكنهم من مواجهة مختلف المشاكل والصعوبات التي تعترضهم حاضرا ومستقبلا، عن طريق بلورة الحلول الملائمة والتكيف مع مختلف الوضعيات التي يصادفونها في مسارهم المهني أو في معيشهم اليومي.
ضربت مجموعة من هؤلاء الشباب فيما بينهم موعدا للقاء صبيحة يوم مشمس. حمل بعضهم ما حمل من أدوات ومعدات ومواد أولية وتأبط البعض الآخر ما تأبط من لوازم. التقوا في الحي ليعكفوا على جمع الأزبال الملقاة على غير هدى في الأزقة، ولطلاء قارعات الطرق والأرصفة بالصباغة، وتزيين حديقة الحي.
بعد يوم حافل بالعمل والكد، بدا فيه الفريق أشبه بخلية نحل واستثمر كل فرد ما لديه من مهارات وقدرات، بات الناظر يرى أرصفة مزركشة بالألوان تلذ لها الأعين، وحديقة غنّاء مختلفة الألوان والورود والشتائل كانت حتى قبل سويعات من هذه الهبّة الشبابية أرضا جرداء تنفر منها النفس لبشاعة منظرها ولكثرة ما تجمّع فيها من أزبال.
كان هذا النشاط جزءا من حملة نظافة واسعة ونموذجا لمبادرات تضافرت فيها سواعد الشباب لتحيل وجه عدد من أحياء مقاطعة اليوسفية، كبرى مقاطعات العاصمة من حيث الكثافة السكانية، جمالا وألقا بعد دمامة وعشوائية، وأبان من خلالها المتطوعون عن حماس وعلو همة بتكريس وقتهم ومواردهم.
"آمنّا منذ تأسيس الجمعية قبل نحو ثماني سنوات بأهمية انخراط الشباب في العمل التطوعي باعتباره رافدا من روافد التنمية المحلية، وبأن خدمة الوسط القريب تحفز الهمم وتشجع الآخرين على الاحتذاء بمثل هذه المبادرات وتعميمها في أحياء بل ومدن أخرى"، يقول رئيس جمعية (أجيال حي النهضة) بمقاطعة اليوسفية، نوفل الهيلال.
ويضيف رئيس الجمعية أن "الهدف الأساسي الذي تتوخاه الجمعية، معتمدة على موارد ذاتية من مساهمات الأعضاء والمنخرطين، يتمثل في تأطير الشباب وغرس روح المواطنة والتطوع وإشاعة ثقافة الوعي والمسؤولية ومحو تلك الصورة النمطية التي غالبا ما تصم هاته الفئة بالانحراف والكسل".
ويسجل السيد الهيلال أن هذه المبادرات وهذا الجهد الجماعي حفزا بالفعل أشخاصا آخرين على الانخراط في العمل التطوعي والجمعوي، إذ ارتفع عدد المنخرطين في الجمعية بصفة مطردة لينتقل من 30 عند التأسيس إلى 450 حاليا.
ولأن الأطفال شباب الغد ورجاله وحمَلة المشعل، كان طبيعيا أن يكون لهم نصيب وحضور في مختلف أنشطة الجمعية التي تحرص على تحرير ملكات الخلق والإبداع لديهم وصقلها، وترسيخ ثقافة التطوع في نفوسهم، بتنظيم مسابقات للرسم على مستوى المدارس الابتدائية لرسم جداريات في مختلف أنحاء المقاطعة، وإشراكهم في المبادرات التطوعية خدمة للحي والمجتمع.
وفي هذا الصدد، يؤكد السيد الهيلال أن "إشراك الأطفال في المبادرات التطوعية يسهم في التنشئة الاجتماعية لهاته الشريحة المجتمعية وفي تنمية وعيها بمجتمعها وبقضاياه وترسيخ مبادئ المشاركة والمواطنة لديها، ومن ثم يصبحون –أطفالا اليوم وشبابا غدا- مواطنين ناضجين وفاعلين ومنتجين".
لا يخفي رئيس الجمعية فخره واعتزازه بالجذور الأصيلة لثقافة التطوع في المجتمع المغربي، باعتباره قيمة إنسانية نبيلة تنهل من الروح الوثابة التي أثبتها السابقون في مجال العمل التطوعي، مبرزا ضرورة العمل على تأطير الأجيال الصاعدة التي نشأت في عصر المعلوميات ووسائط التواصل الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق تأتي رسالته إلى الأطفال والشباب: "العمل التطوعي عامل أساسي في تنمية الشخصية، ومما لا شك فيه أن في خدمة الحي خدمة للمجتمع، فليكن البذل والعطاء محركا للنفوس ومفتاحا للمساهمة الفاعلة في المجتمع".