1- سجلت قضية الصحراء المغربية خلال السنة الأخيرة تطورات إيجابية تمثلت أساسا في فتح العديد من الدول الإفريقية لقنصليات عامة لها في كل من مدينتي الداخلة والعيون. ما هي قراءتكم لهذه التطورات؟
في واقع الأمر، يعكس فتح هذه الدول الإفريقية لقنصليات عامة لها في حاضرتي الصحراء المغربية، العيون والداخلة، إيمان هذه الدول بعدالة قضية الصحراء المغربية، ورغبتها في دعم المملكة بشكل مباشر من أجل إنهاء النزاع المفتعل، خاصة بعد عودة المغرب إلى بيته الإفريقي (الاتحاد الإفريقي)، وتزايد الوعي بضرورة النهوض بهذه القارة، واستثمار مواردها في التنمية ومواجهة التهديدات الجديدة كالأوبئة والتغيرات المناخية والتطرف والعنصرية.
وفي الوقت ذاته، يدل فتح هذه الدول لتمثيليات دبلوماسية لها في الصحراء، على نجاح المغرب في التعريف بقضيته العادلة، وتراجع خصوم الوحدة الترابية للمملكة وانهزامهم أمام الانتصارات الدبلوماسية المتوالية التي تحققها المرة تلو المرة. كما يدل أيضا على العزلة الصارخة التي باتت تعرفها أطروحات الانفصال.
2- تشكل الدبلوماسية الثقافية، بشقيها الرسمي والموازي، واجهة رئيسية من واجهات العمل الدبلوماسي المثمر. هل يمكن القول إن المغرب نجح في تفعيل هذا النوع من الدبلوماسية خدمة للقضية الوطنية؟ وما هي في نظركم أبرز تجليات ذلك في علاقة مع الدول الإفريقية؟
لقد نجح المغرب في خلق نمط من الدبلوماسية تأخذ بعين الاعتبار تكامل مختلف المجالات؛ الثقافية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، لتحقيق استقرار دائم وتنمية شاملة مع حماية المكتسبات، وترسيخ الوحدة الترابية للمملكة، وتحصين الهوية الدينية والوطنية، ضد كل أشكال الاختراق أو الإساءة، فضلا عن تعزيز الانفتاح والانخراط الفاعل في المحيط الإقليمي والدولي. وقد أسهمت الدبلوماسية الثقافية بشكل واضح في تعزيز الدفاع عن القضية الوطنية، وذلك عبر جبهات متعددة، كالمؤتمرات والندوات التي تقيمها المراكز البحثية والجمعيات في عدة مدن مغربية، ويشارك فيها مثقفون من موريتانيا والجزائر وعديد الدول الإفريقية والعربية. كما أشير هنا إلى إصدار الباحثين المغاربة لعدد من المؤلفات الفردية والجماعية التي تسلط الضوء على جوانب من عدالة القضية الوطنية، سواء من الناحية التاريخية أو الأدبية أو الفنية و غيرها من مجالات البحث والتأليف والنشر.
وبخصوص تجليات الدبلوماسية الثقافية في ما يخص علاقة المملكة المغربية بعمقها الإفريقي، فقد كرسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس من خلال زياراته الميدانية المتعددة إلى الدول الإفريقية، حيث توجت جهود جلالته بعودة المملكة إلى أسرتها المؤسسية (الاتحاد الإفريقي)، وتحقيق مكاسب جديدة في ملف الوحدة الترابية للمملكة. كما تجلى البعد الثقافي للدبلوماسية المغربية، منذ قرون مضت، من خلال البعد الروحي والديني للمغرب عبر الطرق الصوفية المغربية التي انتشرت في ربوع إفريقيا والعالم، وخاصة الطريقة التيجانية، التي أسسها الشيخ أحمد التيجاني، دفين مدينة فاس، حيث أسهمت هذه الطريقة في تقوية العلاقات الروحية بين المملكة وعدد من البلدان الإفريقية.
إلى جانب ذلك، ساهمت الجامعة المغربية في تعميق ارتباط المغرب بعمقه الإفريقي من خلال وحدات البحث والتكوين، واستقبال الطلبة الأفارقة، وبذلك أسهمت هذه الدبلوماسية في خدمة القضية الوطنية، وتمهيد الطريق نحو جهوية موسعة ومتقدمة، عجلت بانتقال المغرب من النموذج التقليدي في التنمية، إلى نموذج حداثي جديد وشامل، ينهل أسسه ومرتكزاته من الهوية الدينية والوطنية ومن مقومات الحضارة المغربية.
3- ما هو في نظركم الدور الذي اضطلعت أو يمكن أن تضطلع به الدبلوماسية الثقافية في خدمة قضية مغربية الصحراء، لاسيما من حيث التعريف بها وبعدالتها، وفضح تهافت أطروحات الانفصال؟
بداية لابد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة والمتواصلة التي تقوم بها الدبلوماسية الثقافية، تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، حيث دعا جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في أكثر من خطاب، إلى انخراط جميع مكونات المجتمع المغربي في التعريف بقضية الوحدة الترابية للمملكة، وفتح جسور التواصل والحوار مع فعاليات المجتمع الدولي من أجل التمهيد للحل السلمي لهذا النزاع، في إطار السيادة المغربية الكاملة على صحرائه، دون إراقة دم واحدة، أو قطيعة رحم، على الرغم من أطروحات الانفصال التي تضعف يوما بعد يوم، أمام الانتصارات الدبلوماسية المتواصلة التي تحققها المملكة، ونجاح أوراش التنمية التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية، ثم أيضا أمام حكمة وتبصر هذه الدبلوماسية التي اختارت الحوار العقلاني والعمل الثقافي والإنساني النبيل، دون أي إساءة للآخر، ولو كان عدواً يكيد للمغرب ويفتعل المشاكل.
ولعل ذلك هو سر ريادة بلدنا في مجال التواصل الدبلوماسي، الذي يستحضر البعد الاستراتيجي في الحوار، ويحافظ على أواصر الصداقة والود التي تجمعه بمعظم دول العالم، إيمانا بعدالة قضيته، وحرصا على ضبط النفس، دون أي انجراف وراء الاستفزازات المتكررة للانفصاليين بمن فيهم أولئك الذين سارعوا في ما بعد إلى العودة إلى أحضان وطنهم المغرب، معبرين عن الولاء للمملكة المغربية وتجديد عهد البيعة للملك، ولم يعاملهم المغرب بالانتقام أو الجفاء، وإنما كان بهم رحيما، مثلما عبر عن هذه الروح السامية، باني المغرب الحديث، جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، حينما قال قولته المشهورة: "إن الوطن غفور رحيم". لاشك أن هذه هي أرقى دبلوماسية يمكن أن تحقق بالرحمة والإحسان واللاعنف ما لا تحققه أقوى الأسلحة.
4- افتتحت دولة الإمارات العربية المتحدة بدورها قنصلية عامة بمدينة العيون، وهي أول دولة عربية تقوم بهذا الأمر. أين يجد هذا الدعم المباشر من جانب الإمارات لقضية الصحراء المغربية جذوره؟ وهل تعتقدون أنه كان للدبلوماسية الثقافية نصيب فيه؟
ليس من باب الصدفة أن تكون الإمارات أول دولة عربية تفتح قنصلية عامة لها في مدينة العيون المغربية، فهذه الدولة يقوم مشروعها المجتمعي والتنموي على التسامح، وهي بذلك تتقاطع مع المملكة المغربية في ريادة التعايش والسلام، ولذلك لم تتردد في دعم وحدة المغرب، ونصرة قضيته الوطنية. ولا شك أن الدبلوماسية الثقافية، إلى جانب باقي أشكال العمل الدبلوماسي، قد كان لها دور أساسي في هذا الدعم. وعلى ذكر العمل الثقافي، فيكفي العودة إلى مشاركات المغاربة في الحياة الثقافية في الإمارات، لنجد حجم الحضور المغربي الوازن والمشرف، مما جعل التعاون الدبلوماسي بين البلدين تحصيل حاصل، وثمرة عقود من العمل الثقافي النبيل.
5- علاقة بالدبلوماسية الثقافية دائما، ما هي المقترحات التي تقدمونها في المركز المغربي للاستثمار الثقافي لتعزيز هذا النوع من الدبلوماسية؟
يعمل المركز المغربي للاستثمار الثقافي (مساق) وفق رؤية ثقافية أكاديمية تروم تعميق الوعي بالقضايا الوطنية وتصحيح المفاهيم والتصورات حول الحضارة المغربية، في أبعادها الإنسانية، وتواصلاتها مع الذات والآخر، إيمانا بدور المثقف في التنمية والحداثة. ولذلك يقترح المركز وينفذ عددا من المشاريع الثقافية مثل إصدار الكتب الجماعية والفردية والمؤتمرات الدولية والوطنية، والتواصل الثقافي، وخلق جسور التعاون مع رجال الأعمال والمقاولة بهدف جعل الثقافة منتجة للثروة ورافعة للتنمية، ومحركة للعمل والإنتاج. والمركز بذلك يتقاطع مع جهود الجهات الرسمية ومؤسسات البحث العلمي وفعاليات المجتمع المدني في تقوية دبلوماسية ثقافية رائدة ومؤهلة للتأثير في المواقف وبناء الوعي العام، وحل المشكلات، بما يخدم تماسك المجتمع المغربي ويحافظ على ثوابته الكبرى، بما في ذلك الوحدة الترابية للمملكة، وفي الآن نفسه، يدفع به نحو تحديث أدواته وتطويرها، تحت القيادة الرشيدة لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس.