ويتمتع الفنان بوعيون بقدرة هائلة على تحبيب الملحون للمستعمين، كتراث موسيقي ثمين يجمع بين الأصالة والعمق التاريخي، ذلك أنه يتمتع بقوة الحضور، ويملأ المكان ويستجلب انتباه جمهور متعطش لتجديد الوصال بهذا التراث الفني.
ونجح ابن مراكش، المدينة المعروفة بفورتها الفنية وتعايش مختلف الأجناس الفنية، في ترك بصمته بالساحة الفنية الوطنية والمحلية، وإغناء الرصيد المغربي للملحون، من خلال تأديته لحوالي عشرة قصائد في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكذا التغني بموضوعات أخرى تعكس مختلف جوانب الحياة اليومية.
وبعبارة أخرى، فإن هذه القامة الفنية في ميدان الملحون، التي تجمع بين الموهبة والذكاء، لديها ذوق خاص للكلمة وقدرة هائلة على تقييمها.
ويتوفر عبد الحق بوعيون على قدرة هائلة ليس فقط في حفظ القصائد الأكثر شهرة ولكن أيضا، النادرة التي تلقاها مباشرة من معلميه الكبار أو عن طريق البحث المضني والدقيق في مخطوطات ووثائق للعارفين الكبار بهذا الفن الذي يجسد للإنسانية والأنسنة في أبعادها النبيلة.
واكتسب عبد الحق بوعيون تجربته وخبرته الكبيرتين في مجال الملحون، من خلال ملازمته لشيوخ الصنعة وأخذه عنهم مشافهة.
وتدرج الفنان المراكشي، منذ نعومة أظافره، من الولع بالاستماع للملحون الذي كان يبث في الإذاعة في الثمانينيات فكان يستمع لبوستة الصويطة، والتولالي وبنسعيد وبنغانم والهروشي وكنون.
بعد ذلك، سيبدأ بوعيون في البحث عن أشياخ في مدينة مراكش ليتتلمذ على يديهم، فكان يلازم مولاي الطيب لمراني، الذي كان في سوق السمارين، ليأخذ منه القصائد النادرة في هذا الفن، ومن القصائد التي ظفر بها من عنده قصيدة "الهيفا" و قصيدة "حب حبيب الرحمان" و"وناستي هنية" للشيخ الجيلالي امتيرد.
وبعد هذه المرحلة، سيلتحق الفنان المراكشي بالحاج محمد بن عمر، وسيتلقى فن الصنعة في مجموعة الجيلالي امتيرد، وبعدها سيصادف فرقة تضم الإخوة أمنزو، إلى أن يلتقي بعبد الله الشليح كلحظة حاسمة في مشواره الفني.
ويستذكر بوعيون كثيرا معلمه الشليح، الذي فسح له المجال ليظهر مواهبه وقدراته العالية على الحفظ والفهم،
إلى أن أصبح قادرا على الغناء والكتابة والفهم، والجمع بين الرواية والدراية والإبداع.
وابتكر الفنان عبد الحق بوعيون موضوعات جديدة وأنشأ بحرا جديدا (أي بحرا شعريا) وهو السوسي، فقد أضافه لبحري الملحون (لمبيت، مكسور الجناح) و أتى بموضوعات جديدة (الحراز – الشمعة – الزطمة – لفصادة – الكفارة-الضيف-الضمانة)، وغيرها.
وستفتح أمام الفنان المراكشي فرصة أخرى لإبراز موهبته في الملحون، عندما سيلتحق بالمجموعة المسرحية الوفا في 2003، سيرا على خطى الفنان عبد السلام الشرايبي، رجل المسرح الأول في تاريخ المغرب، الذي استطاع أن يجمع بين الملحون والمسرح.
وسيلج بوعيون عالم الشهرة عندما سيحل ضيفا على بعض المحطات الإذاعية منذ سنة 2005، ما أكسبه صيتا وطنيا ودوليا.
وهكذا، فقد استطاع فنان الملحون عبد الحق بوعيون أن يعطي لهذا الصنف الموسيقي نفسا جديدا، بفضل مثابرته والتزامه، وأيضا، شغفه بالموسيقى وذوقه الرفيع للشعر والنوادر، مما مكنه من الذهاب بعيدا بهذا الفن إلى إمكانيات الإبداع والإتيان بالجديد في ميدان التطوير الشعري والتحاور مع النصوص.