طريق سلمى الطود، التي رأت النور بمدينة القصر الكبير في أحد أيام 1957، كان متشعب المسارات ومتعدد المحطات، زاوجت فيه بين مسار أكاديمي رصين، وتجربة سياسية غنية في تدبير الشأن العام المحلي، ونضال حقوقي تطلب الكثير من العطف وحسن الإنصات لنبض المجتمع بمختلف مكوناته.
من عائلة وطنية شهيرة بمدينة القصر الكبير، اضطرت سلمى نهاية مرحلة التعليم الإعدادي للرحيل للرباط لمواصلة دراسة العلوم، شعبة لم تكن متوفرة حينها بمسقط رأسها. انبهارها بمكونات المادة دفعها لتفضيل الفيزياء على الطب خلال الدراسات الجامعية، حيث حصلت على شهادة الإجازة في تخصص الفيزياء النووية سنة 1981. بالموازاة مع ذلك، انضمت إلى التنظيمات الطلابية ثم إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
بهذا الخصوص، تقول سلمى الطود، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن "الانطلاقة كانت أولا بالعمل السياسي الطلابي، بالجامعة كنت أنشط في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ثم التحقت بالطلبة الاتحاديين، وبعد ذلك بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1978، لقد كانت مرحلة غنية استفدت فيها بالتتلمذ على نخبة من السياسيين والمفكرين الكبار والقياديين ، من قبيل محمد عابد الجابري ومحمد جسوس وفتح الله ولعلو، وغيرهم داخل الشبيبة الاتحادية. أسماء كبيرة جدا ساهمت في تأطيري وصقل شخصيتي".
التحقت كأستاذة مساعدة بالمدرسة العليا للأستاذة بالرباط، وبسبب عدم استقرار الوضع الأسري إثر اعتقال زوجها في أحداث 20 يونيو 1981، شهد مسارها الأكاديمي توقفا لثلاث سنوات، قبل الرحيل إلى مدينة نانت بفرنسا، حيث نالت شهادة الدكتوراه في فيزياء الأجسام الصلبة سنة 1989، ثم العودة إلى الرباط كأستاذة جامعية بالمدرسة ذاتها.
بانتقالها إلى طنجة واشتغالها كأستاذة جامعية بكلية العلوم والتقنيات، بدأت مرحلة جديدة من المسار السياسي والحقوقي لسلمى الطود، صقلته باحتكاكها المتواصل مع المجتمع من خلال الانضمام إلى الهياكل المحلية لحزب الاتحاد الاشتراكي، واكتشافها للحقل الحقوقي باعتبارها عضوا مؤسسا لمجموعة طنجة لفرع منظمة العفو الدولية بالمغرب.
عن هذه المرحلة، تضيف سلمى الطود أن "العمل السياسي أخذ بطنجة مسارا آخر، وسمه الخروج من القطاع الطلابي والانخراط في القطاع الاجتماعي والالتقاء بالناس وبالتنظيم الحزبي والنقابي العادي. تدرجت حتى وصلت لعضوية الكتابة الإقليمية للحزب أوائل التسعينات، تكونت في مدرسة العمل السياسي الحقيقي عوض العمل السياسي الطلابي الذي كان طوباويا"، مضيفة أن "العمل الميداني كشف لها عن تحديات تدبير الشأن العام، ومكنها من فهم انعكاسات الإشكاليات المطروحة ، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ، على حياة المواطنين والمواطنات واختيارات الدولة لمعالجتها، هي تجربة رائعة تجعلك تفصل بين المثالية حد الشعبوية والفعل الملموس نحو التغيير، بين رفع الشعارات وتقديم الاقتراحات".
وتابعت "أنها تمرست على العمل السياسي في حزب الاتحاد الاشتراكي حينما كان في صفوف المعارضة، وهي تجربة أثمرت بعد ذلك تحملها مسؤولية النائبة الأولى لرئيس جماعة طنجة خلال الولاية الانتدابية 2003 – 2009"، مشيرة إلى أنها لم تكن تنوي التقدم لانتخابات 2003، لكن الأحداث الأليمة ل 16 ماي أحدثت "تحولا" في تفكيرها بضرورة تحمل المسؤولية والمساهمة في تحصين التجربة السياسية الديمقراطية بالمغرب.
دخولها إلى حقل حقوق الانسان كان في بداية تسعينات القرن الماضي، حيث بعد تجربة منظمة العفو الدولية، التحقت بالمنظمة المغربية لحقوق الإنسان ووصلت إلى عضوية مجلسها الوطني، النضال الحقوقي يتطلب تكوينا واطلاعا وتملكا للثقافة الحقوقية، إضافة الى نكران الذات وإحساسا بالآخرين، وحيادا يحمي من الانزياح والتعاطف بدون سند حقوقي.
وترى سلمى الطود، أنه "في البداية قد يكون هناك خلط بين السياسي والحقوقي، لكن لا يتعين على الجانب السياسي أن يتغلب على الحقوقي بأي شكل من الأشكال"، موضحة "أن الجانب الحقوقي فيه قيم ثابتة ومسائل علمية واضحة ومبادئ سامية تطبق في أي زمان ومكان، بينما يخضع السياسي لتراتبية المصالح".
وتضيف في المنوال نفسه "إن كان السياسي قادرا على تجزئ القضايا، فإن الحقوقي مطالب بعدم التجزيء، حقوق الإنسان كل لا يتجزأ، وهو مبدأ أصيل في منظومة حقوق الإنسان ومنصوص عليه في دستور المملكة، الذي يحمل نفحة حقوقية كبيرة، لاسيما الديباجة والباب الأول حول الحقوق والحريات".
بعد تجربة الإنصاف والمصالحة، انخرط المغرب في بناء صرح حقوقي جديد يقوم على بناء مؤسسات حقوقية قوية، بدءا بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ثم هيكلته إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وإحداث لجانه الجهوية، التي تعتبر آليات قرب لتتبع ورصد انتهاكات حقوق الانسان ونشر ثقافتها بين عموم المواطنين. وترى الطود أن "المغرب، برصيده الحقوقي المتراكم، يعتبر تجربة رائدة في المجال".
واعتبرت الحقوقية أنها "تجربة رائدة في العالم، المغرب من البلدان الأوائل التي أطلقت آليات جهوية لحقوق الإنسان، أي أن قضايا حقوق الإنسان لم تبق نخبوية بل صارت شأنا محليا، هذه اللجان تحقق القرب، وتقيس انعكاس القوانين الرامية الى حماية حقوق الإنسان على حياة الناس، وهل هم فعلا يتمتعون بها؟".
وتابعت القول إن "كان أعضاء المجلس الوطني يناقشون قضايا حقوق الإنسان، يصدرون آراء استشارية وملاحظات حول القوانين، فإن اللجان الجهوية هي آليات قرب للرصد والتتبع اليومي والمتواصل لكل الانتهاكات المحتملة لحقوق الانسان، نستمع للضحايا ونتواصل مع المؤسسات المعنية وننبه لادعاءات بالانتهاكات، لكننا لا نحل محل المؤسسات المخول لها التحقيق والبحث وإصدار القرارات المناسبة. نشتغل أيضا في نشر ثقافة حقوق الإنسان محليا لاسيما مع المجتمع المدني الذي نعتبره شريكا أساسيا".
على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، أشارت إلى أن اللجنة تشتغل على كافة جوانب حقوق الإنسان، لكن القضايا السائدة هي تلك المتصلة بالهجرة والاتجار بالبشر، داخليا وخارجيا، على اعتبار أن المنطقة حدودية، ووضعية الطفولة لاسيما الأطفال في وضعية صعبة، والعنف ضد النساء والفتيات، ورصد الانتهاكات داخل السجون العشرة بالجهة، وحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، بما فيها الدمج الشامل للأطفال المعاقين في المنظومة التعليمية، وغيرها من القضايا، لاسيما مع ظهور جيل جديد من الحقوق المرتبطة بالبيئية والتغيرات المناخية والرقمنة والذكاء الاصطناعي وحماية المستهلك والمقاولة وحقوق الانسان، والتي تتطلب من اللجنة تطوير وتعزيز قدراتها في كل هذه المجالات.
مسار سياسي وحقوقي حافل، لم يمنع سلمى الطود، الأم لثلاثة أبناء والجدة لحفيدتين، من العزم على مواصلة التفاني في خدمة منظومة حقوق الإنسان بجهة طنجة تطوان الحسيمة، والتفاعل مع ضحايا الانتهاكات المفترضة لاستجلاء الحقيقة.