وتجسد الحكمة سميرة بريمة، التي ولجت مجال التحكيم في رياضة كرة السلة بالمغرب، والذي كان حكرا على الرجال منذ فترة طويلة، واحدة من جيل الحكام النساء اللائي رسمن مسارا متفردا في عالم الكرة البرتقالية في مختلف المحافل الرياضية.
ليست سميرة بريمة المغربية الوحيدة التي تمكنت من دخول عالم التحكيم الدولي في رياضة كرة السلة من بابه الواسع، بيد أن المسار الذي قادها نحو التألق في بلد المهجر يقوي من فضول البحث في تفاصيل هذا المسار، وتقديمها لجمهور مغربي عادة ما يُبدي الكثير من الاعتزاز بالنجاحات التي يحققها المغاربة في عوالم أخرى.
كانت ابنة المغرب، التي رأت النور بأولاد سعيد بإقليم سطات يوم 17 ماي من سنة 1977، قد بدأت مشوارها الرياضي كلاعبة لكرة السلة بداية بفريق الأولمبيك البيضاوي ثم بفريق اتحاد التبغ الرياضي وفريق الشركة العامة للأبناك، لكن إصابة لعينة بالركبة أنهت مشوارها كلاعبة لتتحول إلى التحكيم سنة 1997، الذي تدرجت في جميع مراتبه سواء في إطار عصبة الشاوية أو الجامعة الملكية لكرة السلة، حيث سيؤدي تألقها في هذا الميدان بالاتحاد الدولي لكرة السلة إلى استدعائها لتمثيل بلدها المغرب والقارة الإفريقية في دوري أقل من 20 سنة فتيات مجموعة ألف بالعاصمة البلغارية صوفيا سنة 2007.
تقول سميرة، في حوار خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا الاستدعاء كان فاتحة المستقبل بالنسبة لها، فقد لفت الانتباه إليها من قبل رئيس الجامعة البرتغالية لكرة السلة، بعد اختيارها سنتين قبل ذلك (2005) الاستقرار بمدينة لشبونة بجانب زوجها البرتغالي، ما مكنها من فرض وجودها ضمن حكام كرة السلة على الصعيد الوطني مستوى 2، كما منحها فرصة لصعود باقي درجات السلة إلى أن أصبحت انطلاقا من سنة 2017 حكمة للعصبة البرتغالية لكرة السلة (Arbitre LPB).
وفي هذه الفترة، تضيف سميرة، تم ضم اسمها للائحة الحكام الدوليين البرتغاليين، لتنتقل انطلاقا من سنة 2009 إلى التحكيم بأوروبا، الذي واصلت رحلة التألق في ميادينه خطوة خطوة بمساعدة أطر محلية ودولية. وتعتبر الحكمة المغربية، التي تحمل الجنسية البرتغالية أيضا، أنها تعلمت عن طريقهم الشيء الكثير، وأيضا بفضل المجهود الكبير الذي بذلته أثناء الدورات التكوينية التي شاركت فيها، وتمكنت خلالها من الحصول على عدد من الشهادات.
وإلى جانب وظيفتها الرياضية كحكمة دولية، تعمل سميرة بريمة إلى حدود اليوم بشركة تعمل في تقديم الدعم التقني (Meta Pro-Team) للمقاولات الصغرى والمتوسطة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعدما كانت قد عملت من قبل في عدة شركات أخرى، تركية وإيطالية، كما عملت بالجامعة الملكية المغربية لكرة السلة (2003ـ 2004).
في رسم معالم هذا المسار الرياضي الناجح للحكمة المغربية شارك العديد من الأشخاص، من المدرب شكيب توفيق الذي نقلها من أنشطة دار الشباب بالعاصمة الاقتصادية، إلى عدد من الأطر التحكيمية بعصبة الشاوية ومن ضمنهه مولاي لكبير لمغاري، الذي ساعدها في فرض وجودها في عالم ظل حتى وقت قريب قبل ذلك حكرا على الذكور، مرورا برئيس الاتحاد البرتغالي لكرة السلة، الذي كان له دور أساسي في مشوارها الأوربي والدولي، تبرز الحكمة المغربية التي وإن اعتبرت أن كل هؤلاء يستحقون شكرا خاصا، فإنها تبقى مدينة أكثر لزوجها الذي ربط حياتها بالبرتغال، وكان الداعم والسند في هذا المسار المتميز.
بدون دعم زوجي وعائلتي هنا بالبرتغال، تقول سميرة، لم أكن لأحقق كل هذه النجاحات المهنية أو الرياضية. فهو يستحق تقديرا خاصا لأنه دعمني في كل مقابلة كنت أقودها وفي كل دوري كنت أشارك فيه، وتولى العناية بابننا الوحيد في فترة غيابي عن البيت سواء داخل البرتغال أو خارجه، والتي كانت تصل في بعض الأحيان لأزيد من أسبوعين، تضيف المتحدثة.
وبالنسبة لها، أن تكون أمرة حكمة رياضية ليس بالأمر الهين، لاسيما عندما يكون امتهان هذه "الحرفة الرياضية" على حساب تربية ابنها. ففراق ابنها خلال مشاركاتها في التظاهرات الرياضية، خاصة تلك التي تتطلب الابتعاد عن البيت لأيام، كان له وقع وأثر بالغ على نفسيتها خاصة عنما كان رضيعا، تتذكر المتحدثة.
قد لا يعكس هذا الأمر إلا جانبا من التضحيات التي تقدمها امرأة رياضية قررت أن تكون شريكة للرجال في ميدان أصبح مفتوحا للاستثمار فيه من لدن الجنسين معا، لذلك تفضل سميرة أن تدعو بصوت عال القيمين على شؤون التحكيم في المغرب، كما في غيره من البلدان، أن يأخذوا بعين الاعتبار هذه التضحيات، وأن يلتفتوا للخصوصيات التي تجعل العمل الرياضي للعنصر النسوي شاقا ومضنيا.
إن المرأة الحكمة، والمرأة الرياضية بشكل عام تحتاج إلى تقدير خاص، تؤكد هذه الحكمة التي تعيش بهويتين، البرتغال حيث الأسرة الصغيرة والعمل والشغف بالتحكيم الرياضي، والمغرب، الوطن الأم حيث الأصل والهوية والانتماء وسنوات الطفولة والشباب.