لم يكن المسار الناجح لضابط الشرطة هدى الحبشي، المسؤولة عن خلية استقبال النساء والفتيات ضحايا العنف بدائرة بطانة، وليد الصدفة، بل كان ثمرة مسار مهني طويل، راكمت من خلاله تجربة غنية في هذا المجال، وذلك منذ ولوجها، سنة 2007، صفوف المديرية العامة للأمن الوطني “بكل شغف وحب وإرادة قوية”، بعد اجتيازها لمباراة مفتشي الشرطة.
وبعد تخرجها من المعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، بدأت مسارها المهني بالأمن الإقليمي لسلا بمصلحة الشرطة القضائية، حيث تولت عدة مهام من بينها العمل بخلية النساء ضحايا العنف سنة 2010.
وستنخرط هدى، الحاصلة على دبلوم الدراسات الجامعية شعبة القانون العام من كلية العلوم الاقتصادية والقانونية بسلا الجديدة، في المسار نفسه خلال سنة 2016، حينما التحقت للعمل بدائرة الشرطة بالأمن العمومي لسلا، حيث ستباشر نفس مهامها السابقة المتعلقة بخلية استقبال النساء والفتيات ضحايا العنف.
وقالت السيدة الحبشي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن هذا الانخراط الفاعل والواعي في مجال التصدي ومحاربة كل أشكال العنف ضد المرأة طيلة عقد من الزمن، يتناغم ويواكب توجهات المديرية العامة للأمن الوطني باعتبارها “فاعلا أساسيا في حماية المرأة من ظاهرة العنف”.
وفي هذا السياق أوضحت، أنه بعد صدور القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء سنة 2018 ودخوله حيز التنفيذ سنة 2019 كانت المديرية هي “السباقة لتطبيق وتفعيل مقتضيات هذا القانون من خلال إعادة الهيكلة المؤسساتية للتكفل بالنساء ضحايا العنف، وإحداثها على مستوى مصالح الشرطة القضائية لخلايا التكفل بالنساء والفتيات ضحايا العنف وكذا المكلفين باستقبال النساء والفتيات ضحايا العنف على مستوى دوائر الشرطة بالأمن العمومي”.
ومن جهة ثانية، وعلى مستوى الخدمات المقدمة في مجال مناهضة العنف ضد النساء بدائرتها الأمنية، أشارت إلى أنه يتم استقبال النساء والفتيات ضحايا العنف بمكتب خاص بهن، كما هو الشأن في كل دائرة، والاستماع إليهن مع تقديم الدعم النفسي وملء استمارات خاصة بهن، لتأتي بعد ذلك مرحلة المرافقة منذ بداية الاستقبال إلى نهاية الإجراءات، والتنسيق مع الضباط قصد تسجيل الشكاية، مسجلة أن عملية الاستماع إليهن تتم في محضر قانوني مفصل، يحدد من خلاله نوع العنف الذي تعرضن له، سواء تعلق الأمر بعنف جسدي أو جنسي أو نفسي أو اقتصادي.
وتابعت أنه بعد تلقي الشكايات من النساء ضحايا العنف سواء المباشرة أو عن طريق النيابة العامة أو الخط 19 أو المحالة من أحد مراكز الإنصات، يتم التفاعل معها بكل جدية، من خلال استقبالهن وتلقي شكايتهن كيفما كان مصدرها، مع التنسيق خلال كافة أطوار البحث مع النيابة العامة، وإحاطتها بجميع حيثيات القضية المعروضة إلى غاية انتهاء البحث سواء بتقديم الفاعلين إلى النيابة العامة في حالة اعتقال أو في حالة سراح أو إحالة الملف على شكل معلومات قضائية مع الحرص على إشعارهن بجميع مجريات وأطوار البحث وكذلك الحرص على ضمان أمنهن وسلامتهن.
وموازاة مع مهام استقبال النساء والفتيات ضحايا العنف وتقديم الدعم النفسي لهن، تتم مواكبتهن أثناء تواجدهن بالمصلحة أو خارجها ، وذلك بمرافقتهن سواء إلى المؤسسات الصحية وعرضهن على المساعدين الاجتماعيين الذين يقومون بدورهم بعرضهن على الطبيب المعالج قصد تلقي العلاجات والفحوصات الطبية اللازمة مع تمكينهن من شهادة طبية تثبت أمد العجز الذي لحق بهن جراء الاعتداء، قصد إتمام إجراءات المتابعة.
كما يتم الانتقال بمعيتهن إلى منزل الزوجية في حالة الطرد من بيت الزوجية أو التمكين من الأبناء أو الأغراض، وذلك في حالة التعرض للعنف النفسي.
أما بالنسبة للعنف الاقتصادي، تضيف السيدة الحبشي، فيتم الانتقال معهن إلى مكان الحادث والقيام بأبحاث وتحريات بالشارع العام قصد ضبط الفاعلين. وتنجز كل هذه الإجراءات المشار إليها، بتنسيق مع خلية التكفل بالنساء ضحايا العنف بالمصلحة الإقليمية للشرطة القضائية بسلا وإشعارها بجميع أطوار ومجريات البحث وكذا النيابة العامة.
وفي معرض حديثها عن استراتيجية المديرية في هدا المجال، اعتبرت ضابط الشرطة أن القانون المذكور المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء شكل “ثورة في الترسانة القانونية المغربية باعتباره أداة قانونية وإطارا تشريعيا يهدف إلى التصدي ومحاربة كل أشكال العنف ضد المرأة”.
وأضافت أن المديرية العامة للأمن الوطني، كفاعل رئيسي في منظومة التنزيل الفعلي والواقعي لمقتضيات هذا القانون، خاصة في ما يتعلق بآليات التكفل بالنساء ضحايا العنف التي تنص عليها مقتضيات هذا القانون ومرسومه التطبيقي رقم 2.18.856 وكذلك مقتضيات القوانين ذات الصلة من القانون الجنائي والمسطرة الجنائية، انصبت جهودها على توفير كل الشروط والإمكانيات، سواء منها المادية أو البشرية من أجل التنزيل الصحيح لمقاصد وأهداف هذه المقتضيات القانونية على أرض الواقع.
وأبرزت أن المديرية العامة جعلت هذا الملف قطب الرحى ضمن استراتيجياتها الأمنية، “وعيا منها بأن استمرار تعرض هذه الفئة من المجتمع لبعض أشكال التمييز والعنف والإقصاء يشكل ضربا للمكتسبات التي راكمها المغرب في مجال ترسيخ حقوق الإنسان في مفهومها الشمولي ووفق الرؤية الملكية السامية والتوجيهات المولوية في هذا السياق، والتي تصب في اتجاه النهوض والارتقاء بأوضاع المرأة وإرساء دعائم مجتمع عادل ومنصف يتيح للمرأة المشاركة الفاعلة في المسار التنموي للبلاد”.
ولفتت إلى أن المديرية العامة للأمن الوطني زودت المصالح الممركزة واللاممركزة بكل الوسائل اللوجيستيكة والبشرية المؤهلة للاضطلاع بهذه المهام حتى تستجيب للأهداف والغايات المرسومة، والتي تؤطرها القوانين السالفة الذكر، مضيفة أنه تم إحداث خلايا أمنية مهمتها التكفل واستقبال النساء ضحايا العنف على مستوى جميع ولايات الأمن بعد إخضاعها لدورات تكوينية بهدف تأهيل العنصر البشري وتسليحه بالمعرفة القانونية والضوابط التطبيقية التي تضمن للنساء حقوقهن وتحصينهن ضد كل مظاهر العنف، بغض النظر عن مصدره، سواء كان داخل الأسرة أو مكان العمل وبالشارع العام.
وذكرت في هذا الصدد بوجود خلايا رئيسية على مستوى مصالح الشرطة القضائية في جميع المصالح الأمنية ، والتي تتفرع عنها خلايا يمكن إدراجها في مجال شرطة القرب ، وهي التي نجدها على مستوى كل دائرة أمنية ، بحيث أن عمل كل هذه الخلايا يطبعه التنسيق التام والتحرك المشترك من أجل غاية واحدة وهي رد الاعتبار للمرأة وضمان أمنها وصون كرامتها وتعزيز حقوقها.
وبخصوص ذكرى 08 مارس، قالت السيدة الحبشي إنها “تشكل حدثا مميزا” لكونه يوما استثنائيا يحتفي به العالم بأسره بالمرأة، وعربونا على “الاحترام والتقدير والحب الذي تحظى به عبر العالم، واعترافا بإسهاماتها الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل المجتمع”.
وذكرت أن المديرية العامة للأمن الوطني دأبت كل سنة على الاحتفال خلال هذا اليوم بالمرأة الشرطية، “التي أصبحت لها مكانتها داخل جهاز الشرطة بعدما فتحت لها الأبواب مشرعة لولوج جميع المصالح والتخصصات الأمنية والاضطلاع بمهام المسؤولية مهما بلغت جسامتها، شأنها في ذلك شأن زميلها الرجل، ولذلك تخصص جميع المصالح الأمنية الممركزة واللاممركزة، للمرأة الشرطية احتفالات خاصة وهدايا رمزية بهذه المناسبة، اعترافا بمجهوداتها في تجويد المرفق الأمني، ولتفانيها في عملها ونكرانها لذاتها بالرغم من تعدد مهامها على الصعيدين المهني والأسري”.