هي الدكتورة أسماء الزڭموط، التي حلقت بها الكيمياء من مدرجات الجامعة إلى سماء التحاليل والخبرات الشرعية داخل المختبر الوطني للشرطة العلمية والتقنية بالدار البيضاء، قبل أن تنتقل إلى عوالم تدبير الجودة ومراقبتها وملاءمتها للعلوم الشرعية بالمؤسسة ذاتها.
وحصلت أسماء، المنحدرة من مدينة تازة، “الماسة”، كما وصفها المؤرخ والكاتب الراحل عبد الهادي التازي، على شهادة الدكتوراه في الكيمياء التطبيقية سنة 2002، بإشراف مشترك بين جامعة ابن طفيل بالقنيطرة ومعهد الكيمياء والمادة المكثفة (ICMCB) التابع لجامعة بوردو الفرنسية.
شغفها بتفكيك عوالم الجريمة من بوابة دراسة المادة وتحليلها لم يمنعها من خوض تجارب مهنية أخرى، فأسماء أعطت دروسا جامعية في مجالات تخصصها كأستاذة متعاقدة بعدد من الكليات وبمعهد أجنبي خاص بمدينة الرباط، وعملت فيما بعد متصرفة في مصلحة الامتحانات بأكاديمية التربية والتكوين بتطوان، قبل التحاقها بمختبر الشرطة العلمية والتقنية سنة 2007.
الدكتورة أسماء اكتشفت بالصدفة أن لمسارها الجامعي العلمي امتدادا حيويا وحساسا داخل مؤسسة تشكل الركن الأساس في فك ألغاز الجريمة وتحديد هوية مرتكبها من خلال المعالجة العلمية الدقيقة للدليل المادي الموجه لخدمة العدالة.
لم تكن تعتقد أن أحداث 16 ماي 2003 الغادرة ستكون أول إرهاص يمكنها من استبطان فكرة وجود شرطة علمية بالمغرب. تابعت أسماء، مثل كل المغاربة، التغطيات التلفزيونية التي رافقت مرحلة ما بعد الاعتداءات الأليمة، والتي نقلت صورا لعناصر الشرطة العلمية والتقنية ببدلاتهم الخاصة وهم يقتفون آثار مرتكي تلك الهجمات.
وفي سنة 2006، حلت الصدفة مرة أخرى “بتوقيت القلوب” على حد قول واسيني الأعرج؛ إذ كانت أسماء بصدد تصفح عابر لإحدى الجرائد الوطنية، التي ضمت بين طياتها إعلانا للمديرية العامة للأمن الوطني عن توظيف دكاترة خبراء في مختلف التخصصات. أجج الإعلان رغبتها الكامنة في الالتحاق بمجال تعشقه، فقررت إعداد ملف الوثائق المطلوبة لتقدمه في الأجل المحدد.
وفي نونبر من السنة ذاتها “اجتازت المباراة بنجاح ووفقت في مختلف مراحلها”، حيث تلقت اتصالا هاتفيا في يونيو 2007، من المديرية العامة للأمن الوطني يطلب منها الالتحاق بالمختبر.
وتقول أسماء في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنها في تلك اللحظة كانت تشتغل في أكاديمية التعليم بتطوان، ولم تتردد في تقديم استقالتها، لتعانق شغفها كمحللة خبيرة في مصلحة الكيمياء والحرائق والمتفجرات، حيث عملت لمدة 10 سنوات تقريبا (من 2007 إلى 2016)، وهي فترة شهدت وقوع أحداث ساهمت أسماء بحنكنها وكفاءاتها في شتى أنواع العمليات العلمية التي تقتضيها التحقيقات الجنائية، من خبرة كيميائية وجينية، وفي مجالي التسممات، والمخدرات، في إماطة اللثام عن الحقائق المتعلقة بها.
وفي 2016 شاء القدر أن يفتح صفحة جديدة في كتاب تجارب عميد الشرطة الممتاز الدكتورة أسماء الزڭموط، إذ عينت على رأس شعبة الجودة والسلامة بالمختبر، لتقود دون كلل مسلسل إعداد سياسات الجودة المتعلقة بمختلف أنواع الخبرات الجنائية.
ما قامت به أسماء منذ 2016، بحيوية كبيرة إلى جانب زملائها في العمل، بدء بإعداد سياسات الجودة إلى تحديد الأهداف والمساطر المتعلقة بها والإشراف على التكوين الخاص والمستمر للموارد البشرية وتجديد الكفاءات في مختلف مصالح المختبر، أفضى إلى حصوله على شهادة الجودة بالمعيار الدولي ISO/IEC 17025 في آخر صيغة لها، الممنوحة من قبل مؤسسة “The ANSI National Accreditation Board” الأمريكية، والتي تتابعها كل المختبرات العلمية للفحص والمعايرة بالعالم.
وتباشر السيدة أسماء حاليا مهام مراقبة جودة خدمات التحاليل والخبرات العلمية المقدمة في إطار التحقيقات الجنائية في جميع الميادين والتخصصات المرتبطة بالعلوم الجنائية، ومراقبة جودة الاليات والتكنولوجيات الحديثة المستعملة داخل المختبر، وكذا الإشراف على التكوين والتكوين المستمر للعاملين داخل المختبر.
كما تتولى المراقبة المستمرة لظروف العمل واشتغال العاملين داخل مقرات المختبر، فضلا عن مواكبة جميع مصالحه من أجل الحصول على شهادة الاعتماد التي تضمن الاعتراف الرسمي بالكفاءة حسب المعيار الدولي ISO 17025 في صيغته لسنة 2017 ومعايير المنظمة الدولية لاعتماد المختبرات ILAC وكذا المعايير الإضافية الأخرى لمنظمات الاعتماد في هذا الصدد (The ANSI National Accreditation Board…).