مسار حافل بالإنجازات والمشاريع الابداعية والأحلام، بدأ من العاصمة الاقتصادية مرورا بالرباط ثم العودة مجددا لمدينة الدار البيضاء، حيث رسمت لطيفة لبصير مجددا لنفسها حياة مغايرة بطعم أكاديمي مرصع بكم مهم من الكتابات النوعية، دون التخلي طبعا عن المهام الأسرية كأم لها قلب يخفق بعشق أبنائها وأسرتها بالقنيطرة.
هي إذن مفرد بصيغة الجمع لتعدد المهام التي تضطلع بها .. فهي كاتبة راكمت 13 كتابا في مجالات مختلفة، وتضع اللمسات الأخيرة على أعمال أخرى، وهي أيضا جامعية بكلية الآداب بنمسيك، حيث تحرص على تمكين العشرات من الطالبات والطلبة من محاضرات ودروس وتكوينات لمدة تفوق 27 سنة، ولديها أيضا أسرة تفرض واجبات وأعباء تقوم بها بكرم حاتمي.
وما دامت المناسبة شرطا، فإن بسط الكتاب الحياتي والمعرفي لصاحبة المجموعة القصصية (رغبة فقط) الصادرة سنة 2003، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (2024)، له عدة أوجه تتكامل في رسم صورة فريدة عن سيدة تجاوز صدى إنجازاتها الوطن من خلال انفتاحها على باقي العالم.
عوامل ساهمت في تتويجها سنة 2021 باختيارها "امرأة قيادية" ضمن توأمة بين جامعة الحسن الثاني (كلية الآداب بنمسيك) وجامعة كينساو الأمريكية في إطار برنامج "قصة نجاح "success story".
المظهر الأبرز في هذه الصورة، والذي تفاعل معه جمهور عريض داخل الوطن وخارجه، هو"الكتابة"، حيث صرحت لبصير ، في بوح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنها تجد نفسها أكثر في مجال الإبداع لتحقيق هدف نبيل هو" التحرر" الذي عملت على تحقيقه لسنوات طوال، بل وتحلم بأن يتوسع مجاله، ما دامت لا تتحدث بالضرورة، كما قالت، عن نفسها بل أيضا عن أشخاص آخرين من خلال الذاكرة والتدوين والمتخيل.
فحين كتبت مؤلف " كوفيد الصغير" سنة 2021، كانت تحمل وعيا عميقا فرديا وجماعيا تم نسجه في قالب معرفي، بعد أن حل الكوفيد ضيفا ثقيلا على كل الناس.
قبل ذلك ألفت " عناق "/ 2012 ، ثم " محكيات نسائية لها طعم النار"/ 2014، و" يحدث في تلك الغرفة"/ 2018، و"وردة زرقاء "، و" الجنس الملتبس/ السيرة الذاتية النسائية "/ 2018، ثم "الحياة تحاكي الابداع" و"لودفيغ دويتش" وغيرها .. ويتعلق الأمر بأعمال سعت عبرها إلى بناء مشروع إبداعي يسائل رؤى مغايرة وهواجس لها صلة بخصوصية والمرأة وتحررها.
ففي شعاب الكتابة بصيغة المؤنث، ترى لطيفة لبصير أن هناك فروقا بين الكتابة لدى المرأة والرجل، لأن " نمط وشكل حياة المرأة يختلف تماما عن غيره لدى الرجال، وهذا ينتقل بالضرورة إلى الكتابة، لأن مساحة التحرك تختلف أيضا".
الكتابة بالنسبة لهذه الكاتبة، التي نشرت العديد من المقالات في مجلات مغربية وعربية وشاركت في ندوات محلية ودولية، وحاضرت في العديد من المراكز الثقافية وترأست لجان جوائز في السرد والقصة القصيرة والقراءة محليا ودوليا، هو " حلم ممتد في الزمن "، لذك تسعى مستقبلا إلى التنويع في طرائق الكتابة.
المظهر الآخر لهذه الصورة هو التدريس بالجامعة، الذي يمر عبر" التواصل والتفاعل" مع الطلبة الذين تعتبرهم هذه الكاتبة، التي حصلت على عدة جوائز وطنية وأجنبية، " أصدقاء ".. فالبعض منهم أصبحوا أساتذة، وهذا " فخر لي " كما جاء على لسان لطيفة لبصير، التي قالت أيضا " إن الزمن يترك أثره .. وجوه تذهب وأخرى تأتي".
هناك إذن تراكمات في المجال الأكاديمي لدى هذه الجامعية تفصح عن نفسها بكلية يعترف فيها الإداريون والطلبة بالمكانة الرفيعة للأساتذة في التحصيل الجامعي، ومنهم لطيفة لبصير التي تعد نموذجا متميزا للأستاذة الجامعية المغربية" الجادة والمجتهدة والناجحة في علاقتها مع الطلبة".
رغم الانشغالات الجامعية، لم يغب مجال التأليف عن ذهن سيدة اختارت الكتابة مسارا ومصيرا لحياتها .. ففي السنة الماضية صدر للطيفة لبصير كتاب تحت عنوان " لكل امرأة كتاب"، وهو عبارة عن حفر عميق في أقدار وسير وحيوات نساء، لأن " وراء كل امرأة كتاب، ووراء كل كتاب امرأة تجابه الأقدار لتضيء سيرتها الخاصة في كتاب غير ذاك الذي أملاه عليها المكتوب"، كما جاء في مقدمة هذا الكتاب.
وبناء عليه، فإن الكتابة عن نساء من آفاق مختلفة هو في جانب منه كتابة عن الذات بالنسبة لهذه الجامعية.
على أن الحديث عن الذات والغير هو الذي دفع لبصير لاستحضار محطات من طفولتها وعشقها لقراءة القصص والشعر منذ أن كان عمرها ست سنوات فقط .. وقتئذ، كما قالت، بدأت تتشكل لديها صورة مغايرة عن المرأة.
هذا الشغف بالقراءة وحتى الكتابة في بعدها التحرري الخاص بالمجتمع عامة والنساء خاصة، عضت عليه لطيفة لبصير بالنواجد، بل وتأبطته حتى كبر معها في الإعدادي والثانوي، لكنه عانق آفاقا مغايرة بالجامعة، حيث تم صقل الرؤى والوعي الذي تولدت عنه أعمال أغنت المشهد الثقافي الوطني.
وبالرغم من كل هذه الانشغالات العلمية والمعرفية، تظل صورة لطيفة لبصير" الإنسانة والأم" حاضرة لتعكس مظهرا اجتماعيا تنتصر فيه لقيم نبيلة عمادها تحرر المرأة عبر المعرفة الرفيعة ..
ألم يقل الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة العلم والأخلاق:
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها // أعددت شعبا طيب الأعراق.