وهكذا، انكبت ثلة من المبدعين، بمناسبة هذه المبادرة المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، من طرف شركة الدار البيضاء للتنشيط والتظاهرات، من بداية غشت إلى خامس أكتوبر المنصرمين، على إنجاز جداريات ضخمة، احتفت بفن الشارع وأضفت رونقا خاصا على جدران عدد من البنايات بالمدينة، مكرسة بذلك الدور الذي يضطلع به الفن كرافعة للارتقاء بالذوق الفني للمجتمع.
ويهدف هؤلاء الشباب، من خلال لوحاتهم المتميزة، إلى تعميم الفن في الفضاء العام، مع تزيين أحياء المدينة بواسطة جداريات تبرز قيم المواطنة والتضامن والتسامح والسلام، والتي تنسجم مع المحاور الأساسية لهذه التظاهرة الفنية في نسختها التاسعة.
وساهمت هذه الأعمال الفنية، المكونة من 10 جداريات، في إغناء الفضاء العام من خلال توفير بيئات مواتية للتفاعل والإعجاب. كما حملت هذه الجداريات رسائل بصرية قوية، حيث تحكي كل جدارية في هذه الدورة قصة وتنقل رسالة قوية، تدعو من خلالها المارة للتأمل في دور الفن وقوة القيم المدنية.
وتمتاز هذه الأعمال الفنية، الغنية بالرموز والدلالات والألوان، برسائل عن الاحترام والتضامن والمسؤولية تجاه البيئة والآخر.
وفي هذا الصدد، أنجز حمزة بندرهم، المعروف باسم "Ben"، جداريتين تركزان على حماية البيئة والتواصل بين الأجيال، كما أنجز سعيد صباح، المعروف باسم "Dais"، جدارية ترمز للوحدة والتضامن، تظهر تشابك الأيادي كتجسيد للترابط الإنساني، بينما رسم أيوب دادوش، المعروف باسم "Afrofatcap"، جدارية تجسد التعاون والتكافل بين الأجيال، حيث تُظهر امرأة شابة تُساعد امرأة أكبر سنا خلال عبورها الشارع.
من جهته، أضاف فابيان براڤو جيريرو، المعروف باسم "Kato"، لمسة دولية من خلال جدارية تجمع بين العناصر الرمزية والثقافية، مستلهما تصميمها من طيور السنونو وزخارف مستوحاة من مسجد الحسن الثاني. وحققت هذه الجدارية إنجازا عالميا بعدما حازت على المركز الثاني في تصنيف "أفضل 3 أعمال لشهر أكتوبر" (BEST OF OCTOBER TOP 3) من طرف منصة "ستريت ارت سيتييز" (Street Art Cities) التي تدعم فن الشارع في جميع أنحاء العالم.
وبدوره، رسم أمين حجيلة، المعروف باسم "Brush"، جداريتين، الأولى بتقنية الخداع البصري وهي تمثل القناطر التقليدية المغربية وأياد متقاربة، بينما الثانية تصور أياد ذهبية ممتدة نحو طيور تحلق في السماء، فيما رسم هشام إسماعيلي العلوي، المعروف باسم "Sika"، جدارية تصور سيدة مغربية ترتدي زيا تقليديا، ترمز إلى بساطة وجمال الحياة بالمدينة العتيقة قديما.
أما مجيد البحار، فقد أنجز جدارية تمثل منارة عظيمة على جرف، محاطة بأنواع من طيور النورس في السماء، ترمز إلى الحرية والسكينة، بينما تعاون كل من سلمى الوردي وأسامة آيت طالب على رسم جدارية تمزج بين العناصر التقليدية المغربية وأشياء من الحياة اليومية، مفعمة بألوان نابضة وحيوية.
ومن خلال إنجاز هذه الجداريات الفنية، تبرز مساهمة مهرجان "كازا موجا" في تحويل الدار البيضاء إلى مدينة منفتحة وديناميكية، حيث يصبح الفن لغة عالمية لتعزيز القيم التي تدعم ركائز النسيج الاجتماعي، كما أن إشراك المواطنين والفنانين في ترسيخ القيم المدنية يسهم، بدوره، وبفعالية، في التنمية الثقافية للمدينة.
وشكلت الدورة التاسعة لمهرجان "كازا موجا" محطة هامة في مسار إغناء الشأن الثقافي بالدار البيضاء وتعزيز القيم المدنية الأساسية، حيث تساهم هذه التظاهرة بشكل كبير في تعزيز مكانة المدينة كوجهة ثقافية مميزة.
وتتوخى دورة هذه السنة، التي تأتي في سياق تتعزز فيه مكانة الثقافة والفن كدعامتين للتطور الاجتماعي في المغرب، إحداث أثر مستدام على المدينة وساكنتها، عبر الاحتفاء بالقيم المدنية في أعمال فنية ملتزمة وملهمة، كما تعكس أهمية فن الشوارع كوسيلة للتعبير والتوعية والدعوة إلى المشاركة في بناء مجتمع أكثر مسؤولية وتضامنا واحتراما للبيئة.
وبتجسيده للقيم المدنية ضمن الأعمال الفنية المعروضة في الفضاء العام، يتوخى المهرجان توعية المواطنين بأنماط السلوك المسؤول والتضامني، حيث لا تقتصر هذه الجداريات على كونها أعمالا فنية بصرية، بل تتعدى ذلك لتشكل أدوات حوارية تحفز على التفكير الجماعي وتؤكد على أهمية الوحدة والشمولية في بناء مجتمع مغربي قوي ومتماسك.
ومنذ انطلاقه في عام 2017، يسعى مهرجان "كازا موجا" إلى تجديد المشهد الحضري لمدينة الدار البيضاء، محولا جدرانها إلى منصات للتعبير الفني للفنانين المحليين والعالميين، كما يُدعم انفتاح الثقافة وولوج الفن إلى أماكن غير متوقعة، وتحفيز آلاف الشباب على الاهتمام بهذا النوع من الفن التشكيلي، الذي دفع الجميع للتعبير عن ذواتهم وتقاسم قناعاتهم وقيمهم.