وبهذه المناسبة، أكد رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش، أن هذا اللقاء التواصلي مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية والدولية، يأتي تنفيذا لتعليمات جلالة الملك التي عَبر عنها بلاغ الديوان الملكي، قصد اطْلاعهم، ومن خلالهم مكونات الرأي العام، على مضامين التعديلات الرئيسة المقترحة لمراجعة جوهرية لمدونة الأسرة.
وأبرز السيد أخنوش أن جلالة الملك أعطى تعليماته السامية وتوجيهاته النَيرة، بخصوص المبادئ والغايات التي ستحْكُم مراجعة مدونة الأسرة، مذكرا بانتظارات جلالته بهذا الخُصوص، " والتي سنعمل على بلورتها في صياغة مشروع المراجعة، في أقرب الآجال، حتى يتأتى عرضه على نظر البرلمان قصد المصادقة عليه ".
وتميز هذا اللقاء بمداخلة وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي، الذي استعرض الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة مدونة الأسرة.
من جهته، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق المعطيات المتعلقة بالرأي الشرعي الذي رفعه المجلس العلمي الأعلى إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الموضوع.
وأوضح الوزير أن حصيلة الأجوبة عن المسائل الشرعية المتعلقة بمدونة الأسرة تهم عشرة مسائل استجابت فيها لجنة الفتوى استجابة تامة، إذ يتعلق الأمر بكل من سن الزواج، وشهادة شاهدين مسلمين، والنيابة الشرعية المشتركة، واعتبار العمل المنزلي مساهمة في ثروة الزوج، ووجوب نفقة الزوجة بالعقد، والعمرى الإجبارية للسكنى للزوج الباقي حيا، ومرتبة ديون الزوجين المتعلقة بالأموال المكتسبة، وبقاء حضانة من تزوجت، والمتعة للمرأة طالبة التطليق، والمساواة بين أبناء الأبناء والبنات في استحقاق الوصية الواجبة مهما نزلوا.
كما تطرق الوزير إلى ثلاث مسائل أعطت فيها اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب ومن الأفضل الأخذ بها، وتتعلق بنسب ولد الزنا، والوصية للوارث إذا لم يجزها باقي الورثة، وإلغاء التعصيب في حالة ترك البنات دون الأبناء.
وأشار السيد التوفيق إلى مسألتين أعطت اللجنة حلولا بديلة توافق الشرع وتحقق المطلوب ويمكن لولي الأمر أن يقرر فيها ما يراه محققا للمصلحة، وتهم التوارث بين الزوجين مختلفي الديانة، والتوارث بين الكافل والمكفول أو التنزيل الواجب، بالإضافة إلى مسألة لا يمكن تجاوز رأي اللجنة فيها إلا بقرار من ولي الأمر باعتبار المصلحة وتتعلق بإدراج شرط موافقة الزوجة الأولى في التعدد، وبالمادة 400 التي تنص على المذهب المالكي كمرجع.
وشدد الوزير على أن مجال الاجتهاد محصور في ما لم يرد فيه نص من الكتاب والسنة ولم ينعقد فيه إجماع، والآيات القرآنية ظنية الدلالة، والأحاديث النبوية ظنية الثبوت والدلالة معا، مضيفا أن من مرتكزات الاجتهاد عند علماء المملكة مراعاة أمرين هما اعتبار "المصلحة المرسلة"، وهي كما عرفها العلماء المصلحة التي لم يرد في الشرع ما يدل على اعتبارها ولا ما يدل على إلغائها، و"الالتزام بالمذهب المالكي أولا".
من جانبها، أكدت وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة السيدة نعيمة بنيحيى، أن من شأن مراجعة عميقة وجوهرية لمدونة الأسرة، وفق التوجيهات الملكية السامية، إعطاء دفعة جديدة للحماية القانونية للمرأة وضمان استقرار الأسرة، وكفالة المصالح الفضلى للأطفال، وترسيخ مكانة المملكة التي تصنف ضمن التجارب الجادة الساعية إلى إقرار مبدأ المساواة المكرسة دستوريا في أفق المناصفة، في توفيق مع "مرجعيتنا الوطنية والدينية المشكلة لخصوصيتنا وعنصر تميزنا".
وأبرزت أن الأسرة حظيت بعناية خاصة في السياسات العمومية الهادفة إلى إرساء دولة اجتماعية حديثة، سواء من خلال مكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي، أو من خلال تقديم الدعم الاجتماعي لأفرادها الأكثر هشاشة، أو تحقيق المساواة بين الجنسين.
وأضافت السيدة بنيحيى أن الأسرة تشكل فضاء مثاليا للنهوض بالحقوق الفئوية وتعزيز حماية حقوق النساء من خلال مناهضة العنف الأسري وكل أشكال التمييز ضدهن، وتمكينهن من كافة حقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، وتعزيز حقوق الطفل والأشخاص المسنين والأشخاص في وضعية إعاقة.
وفي هذا الصدد، دعت الوزيرة إلى ضرورة استحضار التحولات التي طرأت على الأسرة المغربية، والتي يمكن إجمال أهمها في كون الأسرة النووية أصبحت تشكل نسبة مهمة من مجموع الأسر المغربية، وأصبحت نسبة الأسر التي يديرها الرجال تتناقص لصالح الأسر التي تديرها النساء، مضيفة أن وضعية الطفولة تظل مقلقة بالنظر لتداعيات الطلاق على الأطفال والعنف الممارس عليهم وتزايد نسبة الأطفال المتخلى عنهم، وذلك بالرغم من الجهود المبذولة من خلال السياسات العمومية ذات الصلة ومن مختلف الآليات المحدثة لحماية الطفولة وكذا بالرغم من الجهود المبذولة لتعميم ودعم التمدرس.
وحضر هذا اللقاء، على الخصوص، رئيس مجلس النواب السيد راشيد الطالبي العلمي، ورئيس مجلس المستشارين السيد محمد ولد الرشيد، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، السيد محمد عبد النباوي، والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، السيد الحسن الداكي.
كما عرف هذا اللقاء حضور وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج السيد ناصر بوريطة، والأمين العام للحكومة السيد محمد الحجوي، ورئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السيدة آمنة بوعياش، والكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى السيد سعيد شبار، وعدد من أعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الاسرة، ورؤساء مؤسسات دستورية، وشخصيات أخرى.
وكان صاحب الجلالة الملك محمد السادس قد كلف، خلال جلسة العمل ليوم أمس، رئيس الحكومة والوزراء، بالتواصل مع الرأي العام، لتوضيح المضامين الرئيسة لمراجعة مدونة الأسرة، وإحاطته علما بمستجداتها.