وبين الخطيب٬ في مستهل خطبتي الجمعة٬ أن ما ميز مراحل التطور البشري هو نوع العلاقة بين الناس٬ أفرادا وجماعات٬ حيث ساد٬ في كل مرحلة٬ نوع من العلاقات تراعي كلها مصلحة فئة دون أخرى٬ في حين أن الدين الإسلامي الحنيف وصل إلى بناء العلاقة على ما هو أسمى وأنسب لمقام الإنسان وجعلها علاقة أخوة٬ لأن الناس جميعا من آدم وآدم من تراب٬ ثم جعل الإسلام العلاقة بين المسلمين علاقة أخوة في الدين أي في الالتزام بقيم الدين وأخلاقه.
وأوضح أن هذه الأخوة تعلو الأخوة في النسب والمصاهرة لأن الله عز وجل أمر بالمؤاخاة بين المسلمين ولو اختلفت أنسابهم وتباعدت أوطانهم وديارهم٬ وذلك لتبقى الأمة المسلمة أمة متراصة مترابطة كالجسد الواحد٬ مبرزا أن الله سبحانه وتعالى جعل لهذه الأخوة حقوقا عظيمة وثمرات كريمة تجب مراعاتها والقيام بها ولا يجوز إهمالها والتهاون بشأنها.
ومن هذه الحقوق٬ يضيف الخطيب٬ وجوب الإصلاح بين المسلمين عندما يحصل بينهم أي خلاف أو نزاع٬ أو تظهر بينهم عداوة أو قطيعة٬ إذ بالإصلاح تصفو النفوس وتطمئن القلوب ويأخذ كل ذي حق حقه.
كما أن من حقوق الأخوة بين المؤمنين تعظيم بعضهم لحرمات بعض٬ وتوقيرهم وعدم التنقيص بهم٬ فلا يسخر غني من فقير ولا قوي من ضعيف ولا ذكر من أنثى٬ ولا ينادي بعضهم بعضا بما يكره من الأسماء والألقاب كالهمز واللمز والسخرية والغيبة والنميمة٬ لأنها لا تصدر إلا من ناقص يبحث عما يجبر به نقصه بين الناس.
وأشار الخطيب إلى أن من حقوق الأخوة الإيمانية٬ أيضا٬ التعاون على البر والتقوى وعلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وجلب المصالح ودفع المضار٬ إضافة إلى التناصح بين المسلمين وحب العبد لأخيه ما يحب لنفسه٬ إذ الواجب على المؤمن أن يحب لأخيه من الخير والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة ما يحب لنفسه وإلا كان حسودا حقودا.
وأكد أنه إن كان يصعب حصر حقوق الأخوة في الإسلام فإن عظمتها وأهميتها تتجليان في صلاح المجتمع وسعادته٬ بحيث لا يظلم المسلم أخاه بأي نوع من أنواع الظلم في دينه أو في عرضه أو في نفسه أو في ماله٬ ولا يخذل المسلم أخاه بأن يترك إعانته ونصرته والدفاع عنه في موطن يستطيع فيه نصرته وإعانته٬ ولا يحقر المسلم أخاه بأن يستهزيء به ويستهين به ويستصغر شأنه.
وذكر الخطيب بأن شهر رمضان الأبرك يعد في مقدمة المناسبات والفرائض الدينية التي تعزز أواصر الأخوة والمحبة والتضامن بين أفراد الأمة٬ وأن من مظاهر ذلك إخراج زكاة الفطر في ختام هذا الشهر الكريم أخوة وتضامنا بين المسلمين٬ وهي واجبة بعموم آيات الزكاة الواردة في القرآن الكريم ٬ موضحا أن الحكمة من مشروعية زكاة الفطر٬ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم٬ أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين٬ وذاك مظهر من مظاهر وحدة الأمة وتماسكها وتراحمها وتآزرها. وأكد أنه لا يجوز تأخير إخراجها عن صلاة العيد فإذا أخرت فإنما هي صدقة من الصدقات.
وذكر الخطيب بأن الشعب المغربي علم مساء أمس الخميس بوفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة للا أمينة٬ كريمة جلالة المغفور له محمد الخامس وعمة أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله ٬ حيث توفاها الله المنان٬ كما توفى والدها المنعم٬ في شهر رمضان٬ شهر القرآن والغفران.
وأضاف أن الفقيدة العزيزة٬ تغمدها الله بواسع رحمته٬ ارتبطت في وجدان المغاربة وذاكرتهم بنضال العرش العلوي الذي ولدت في عز جهاده من أجل الاستقلال٬ بالمنفى في مدغشقر٬ وشكل ميلادها رمز أمل المغاربة في الفرج والغد الأفضل بقيادة الأسرة الملكية الشريفة٬ كما ظلت الفقيدة في حياتها تمثل٬ بأنشطتها النبيلة٬ سمو المقاصد وجمال الإحسان.
وابتهل الخطيب في الختام إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين٬ صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصرا عزيزا يعز به الدين٬ ويجمع به كلمة المسلمين٬ وبأن يتقبل أعماله الجليلة ببركة هذا الشهر الفضيل وببركة ما قريء من القرآن الكريم في مساجد المملكة التي يرعاها جلالته ويرعى القيمين بها٬ وبأن يجعل كل مبادراته أعمال خير وبركة على البلاد والعباد٬ ويقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن٬ ويشد عضد جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد وكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يشمل بواسع عفوه وجميل فضله الملكين المجاهدين جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويكرم مثواهما ويطيب ثراهما.