وبين الخطيب ٬ في مستهل خطبتي الجمعة ٬ أن إرادة الله تعالى وحكمته اقتضت أن يجعل الأرض مصدرا لنشأة الإنسان ومصدرا لقوته ورزقه ومدفنا له بعد انقضاء أجله ومبعثا له يوم يقوم الناس لرب العالمين ٬ ولذلك تكررت كلمة "الأرض " في القرآن الكريم ثلاثمائة وثلاثة وستين مرة .
وقال إن الله استخلف الإنسان في الأرض بهدف عمارتها واستغلال كنوزها وثرواتها ٬ وقد يسر سبحانه وتعالى طرق عمارة الأرض باستخراج دفائنها من شتى أنواع المعادن والاستفادة من البحار والأنهار والأودية والانتفاع مما تنبته الأرض للإنسان والحيوان ٬ مستشهدا في هذا الصدد بالعديد من الآيات الكريمة الدالة على أن أقوات العباد والحيوان وكل ما يدب على الأرض مصدره هذه الأرض نفسها.
لذلك ٬ يضيف الخطيب ٬ حثنا القرآن الكريم على البحث عن موارد الرزق وفي مقدمتها استصلاح الأرض وزراعتها وتعهدها بكل الوسائل المتاحة تربة ونباتا وأشجارا ٬ والاعتناء بينابيع المياه وتطهيرها وترشيد استعمالها وتربية المواشي للانتفاع بألبانها ولحومها وأصوافها وأوبارها ٬ مؤكدا أن إفساد البيئة وإتلافها محرم شرعا ويتنافى مع مراد الله تعالى القائل ٬ "فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين" ٬ بحيث يستوي في ذلك أن يتم الإفساد بالاستعمال العبثي الذي ليس وراءه منفعة حقيقية للإنسان أو باستنزاف موارد الأرض الذي يفضي إلى عجز البيئة عن التعويض الذاتي لما يقع إتلافه ٬ وسواء تم بالاستهلاك المباشر أو التخريب أو الإسراف في الاستعمال بغير ضرورة ولأغراض غير الحاجات الأساسية للنوع البشري.
وأبرز الخطيب أن اهتمام أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس ٬ نصره الله ٬ بالفلاحة وشؤونها وقضاياها ما هو إلا استجابة للتوجيه الرباني والهدي الإلهي لعباده من أجل القيام بوظيفة عمارة الأرض ٬ ودليل على حرص جلالته على توفير العيش الرغيد لأبناء شعبه .
لذلك ٬ يقول الخطيب٬ ما فتئ جلالة الملك يؤكد على أن السياسة الفلاحية بالمغرب يجب أن "تتميز بطابع الاستمرارية والسعي إلى تحقيق الأمن الغذائي" ٬ مؤكدا أن جلالة الملك يسهر على أن يحقق لأمته الشرطين الأساسيين للعبادة والسعادة ٬ وهما شرط الأمن من الخوف وشرط الأمن من الجوع ٬ مصداقا لقوله تعالى : "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" .
وابرز أن استخلاف الله الإنسان في الأرض يستوجب على الخليفة طاعة من استخلفه والإخلاص له في العبادة ٬ بحيث لا يشرك به شيئا والصدق في كل ما يقوم به من عمل ويبذله من جهد لعمارة الأرض التي استخلف فيها ٬ مستحضرا دائما العواقب الوخيمة للجحود والكفر بالنعم.
وقال إنه لا يحق للإنسان أن يجعل مما حباه الله من خيرات وأسبغ عليه من نعم ظاهرة وباطنة ٬ وسيلة للمعصية أو الاستئثار أو الاحتكار لأن البشر كلهم عيال الله وأن أحب خلق الله إلى الله أنفعهم لعياله.
وابتهل الخطيب ٬ في الختام ٬ إلى الله عز وجل بأن يوفق أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى كل خير ويعينه عليه ٬ وأن يصلح به وعلى يديه شؤون المملكة وأن يقر عينه بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن ٬ ويشد أزر جلالته بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد ٬ وبكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة .
كما تضرع إلى العلي القدير بأن يجدد شآبيب رحمته ومغفرته على فقيدي الأمة والوطن جلالة المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني ويسكنهما فسيح جناته.