فبالرغم من أن تدابير مكافحة كورونا في ألمانيا لم تصل إلى حد الإغلاق الشامل كما في بلدان أوروبية أخرى، واقتصرت على العزل الطوعي، مما يسمح للمواطنين بالخروج لممارسة رياضة الجري أو المشي في المساحات الخضراء، فإن البرلينيين باتوا يحنون إلى الأيام الخوالي حيث كانوا يخرجون في نزهات جماعية إلى الغابات والمنتزهات والحدائق، وعلى ضفاف البحيرات لأخذ حمام شمس وإقامة حفلات الشواء على أنغام الموسيقى في أجواء حميمية تجمع أفراد العائلة والأصدقاء.
فبين عشية وضحاها، أصبح البرلينيون الذين يعشقون المرح والحياة الصاخبة وممارسة الرياضة في الهواء الطلق، لاسيما الشباب الذين ألفوا التجمع في منتزهم المفضل "غلايسدرايك" أو "تير غارتن"، أو حديقة الحيوانات "تسولوغيشه غارتن"، معرضون لدفع غرامات في حال عدم احترام القيود التي تم فرضها، حيث أقرت حكومة ولاية برلين قائمة غرامات، من بينها غرامة تتراوح ما بين 500 إلى 2000 يورو في حال التجمعات التي يفوق تعدادها شخصين وغرامة من 50 إلى 500 يورو في حال عدم الحفاظ على مسافة التباعد بين الأشخاص في الأماكن العامة.
ولئن شددت الحكومة المحلية من إجراءاتها، فإنها أشادت بالسلوك المسؤول لساكنة برلين، ورفضت قبول طلب شرطة الولاية إغلاق الحدائق العامة، كما لم تعد تطالب بالإدلاء بالهوية.
وقد اختزلت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، مشاعر مواطنيها إزاء قيود كورونا، قائلة في خطاب لها بعد إنهاء فترة الحجر الصحي الذي خضعت لها "أنا على يقين تام من هول التقييدات حتى الآن: ليس هناك أي فعاليات أو معارض أو حفلات موسيقية، وفي الوقت الحاضر أغلقت المدارس والجامعات وروضات الأطفال أبوابها، ولا يوجد لعب في ساحات اللعب المخصصة للأطفال".
وتضيف ميركل "أنا أدرك أن العزل الصحي الذي توافقت عليها الحكومة الاتحادية والولايات يخترق حياتنا ومفهومنا الديمقراطي أيضا بشكل قاس جدا. إنها تقييدات لم نشهدها في جمهوريتنا الاتحادية من ذي قبل. دعوني أؤكد لكم: بالنسبة إلى شخص مثلي يرى في حرية السفر والتنقل حقا فاز به بعد كفاح شاق فلا يمكن تبرير تقييدات مماثلة إلا في حال الضرورة القصوى. لا يمكن اعتمادها في ديمقراطية لأسباب تافهة وإنما بشكل مؤقت فحسب، ولكن في الوقت الراهن لا غنى عنها لإنقاذ الأرواح".
وقد شكلت عطلة نهاية الأسبوع الماضي التي اتسمت بطقس ربيعي جميل امتحانا عسيرا أمام الالتزام بقيود الاتصال الاجتماعي التي دخلت حيز التنفيذ منذ أسبوعين، حيث لم يلتزم الكثيرون بها، حسب ما أفادت تقارير صحفية.
وأبلغت مراكز الشرطة عن انتهاكات للقيود والمقاومة العنيفة في بعض الأحيان ضد العناصر الأمنية التي كثفت عمليات المراقبة في أجزاء كثيرة من البلاد.
وحسب صحيفة (دي فيلت) الألمانية، تمت تعبئة 500 من عناصر الشرطة يوم السبت، و110 عنصرا ليلة الأحد، وتم فحص حوالي 2000 شخص، وتسجيل 23 دعوى جنائية و87 مخالفة إدارية خلال 22 ساعة، وجرى فحص 1981 شخصا في الفضاءات العامة.
وسجلت برلين إلى حدود صباح اليوم الاثنين 3.670 حالة إصابة بفيروس كورونا و26 حالة وفاة، حسب بيانات لمعهد روبرت كوخ الألماني لأبحاث الفيروسات.
وعلى الصعيد الوطني، ارتفع عدد الاصابات إلى نحو 95 ألفا و391 إصابة، فيما وصل عدد الوفيات إلى 1434 حالة. وسجل المعهد الألماني خلال الأيام الأخيرة تباطؤا في انتشار فيروس كورونا.
وكان رئيس المعهد لوتار فيلر، قد أعلن أن القيود المفروضة على الحياة العامة لمكافحة فيروس كورونا في البلاد، بدأت تعطي نتائج عبر إبطاء انتشار الفيروس.
وقال فيلر أنه منذ عدة أيام، لم يعد أي مصاب بالفيروس يتسبب بالعدوى إلا لشخص واحد آخر في المعدل، مشيرا إلى أن نسبة العدوى هذه "يبدو أنها تستقر".
وخلال الأسابيع الماضية، كان هناك خمسة أو سبعة أشخاص يصابون بالعدوى من شخص واحد مصاب بفيروس "كوفيد-19".
غير أن المسؤولين الألمان يبدون تفاؤلا مشوبا بالحذر إزاء هذا التراجع، ويرون أن الوقت لا يزال مبكرا جدا لتخفيف القيود على الحياة العامة التي تم فرضها لمكافحة انتشار الفيروس، والتي ستظل سارية إلى غاية 19 أبريل، وما على البرلينيين سوى التحلي بالصبر والاكتفاء بالتنزه على دراجاتهم فرادى أو المشي زوجين في انتظار أن تستعيد مدينتهم وهجها وسحرها المعتاد.