وإذا كانت الصدفة قد ساقتها لتعمل في القطاع البنكي، وهي التي كانت تحلم بأن تكون طبيبة، فإن صعودها المهني داخل مجموعة “بي إن بي باريباس” في سنغافورة لم يكن مصادفة، بل كان ثمرة مثابرة حقيقية.
تمكنت الشابة صوفية، وهي نتاج خالص للمنظومة التعليمية العمومية المغربية حتى حصولها على شهادة الإجازة، من الالتحاق بجامعة “السوربون” لتحصل على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة الذي سهل دخولها إلى السوق المالية الدولية. وبعد قضاءها عقدا من الزمن في فرنسا، اغتنمت مسؤولة “المعاملات البنكية” في عام 2010، رفقة زوجها ، الفرصة للانتقال إلى سنغافورة المدينة – الدولة.
وقالت صوفية، وهي في الأربعينيات من عمرها، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “حصل زوجي على فرصة عمل في سنغافورة ولم نتردد لثانية واحدة. كنت أعرف مسبقا البلد من خلال رحلات عملي، انجذبنا إلى المناخ، وجمالية المدينة وأمنها لتربية الأطفال”.
وبدأت ابنة الدار البيضاء، التي حصلت على شهادة البكالوريا وهي في السادسة عشر من عمرها، مسيرتها المهنية في سن العشرين، الأمر الذي سمح لها بأن تكون في كثير من الأحيان من بين الأصغر سنا في مكان عملها، خاصة اليوم حيث يتجاوز عمر جميع “أقرانها” الــ50 عاما، بالنسبة لأصغرهم سنا.
“يصعب في الكثير من الأحيان تفسير أن التجربة مهمة لكنها لا ترتبط دائما بالسن”، تضيف هذه المرأة المتخصصة في مجال المالية والتي تمكنت من إدارة عدة فرق والتنقل في بيئة عمل متعددة الثقافات.
وأقرت أن تدبير التعددية الثقافية غالبا ما يشكل تحديا كبيرا في الحياة المهنية للمهاجر، والذي قد يجد نفسه في بعض الأحيان ممزقا بين أصوله والبلد المضيف، معتبرة أن تدبير الحياة اليومية والملفات الصعبة مرتبط ارتباطا وثيقا بالمقاربة الثقافية للمواضيع وللنزاع.
وقالت أم عزة (10 سنوات) وآدم (7 سنوات)، إن “اندماجي المهني استغرق وقتا طويلا وتم بشكل تدريجي. تراثنا المغربي في الضيافة والعيش المشترك والتعددية الثقافية +والدي أمازيغي ووالدتي عربية+ ساعدني على إيجاد الكلمات المناسبة والطريق للاندماج”.
وتتمتع صوفية بحس الاهتمام بالآخرين والطيبوبة، وهي ميزة سهلت بشكل كبير اندماجها في الوسط المهني، على الرغم من حرصها دائما على الجمع بين المتطلبات العالية والمرونة.
وقالت المتخصصة في مجال المالية التي حصلت في 2020 على لقب “مصرفي السنة”، من قبل (ذي أسيت تريبل أي)، “صحيح أنني أطلب الكثير من فريقي وأقاربي ، لكن في المقابل أنا دائما حاضرة لدعمهم في الحياة اليومية وخوض المعركة عند الضرورة”.
وعلقت صوفية على نيلها لهذا اللقب، وهي فخورة بهذا الاعتراف في بيئة حيث الذين يغيرون عملهم في البنوك غالبا ما يكونون معروفين أكثر في السوق، وهي التي أمضت عشرين عاما في نفس البنك، بالقول “لم أتوقعها. وهي جائزة لا نقدم لها ترشيحاتنا ولا يتم تقييمنا بشكل مباشر. وهي بالأحرى الأكثر أهمية في مجالنا”.
تجد المهاجرة المغربية نفسها بعيدة كل البعد عن أي تباهي بهذه الجائزة أو إثبات أي شيء. ومع ذلك، فإن توقيتها في خضم الأزمة الوبائية يعني الشيء الكثير بالنسبة لها.
وأقرت صوفية هموش أنه “بسبب فيروس كوفيد-19، أصبح مستوى التوتر مرتفع بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية والتدبير الصارم للمخاطر، في حين أدى غياب الرؤية حول نهاية هذه الجائحة إلى التأثير على معنويات الجميع”، مشيرة إلى أنها في المقابل، تمكنت من قضاء المزيد من الوقت مع أسرتها في فترة الحجر جراء القيود على السفر.
وبخصوص ارتباطها وحبها للوطن الأم، أوضحت صوفية أنها تحرص على تغذيته كلما سنحت الفرصة، من خلال المساهمة على الخصوص بخبرتها وتجربتها المهنية في إطار “مورشام سنغافورة”، وهي هيئة تضم كفاءات عليا مغربية مستقرة في سنغافورة.
وقالت الخبيرة المالية “لقد شاركت في مجموعة للتفكير حول الاستثمارات في المقاولات الناشئة المغربية وفي صندوق استثماري محتمل برأسمال مغاربة مقيمين بالخارج”، مشيرة إلى أنها على استعداد للنظر في أي اقتراح للاستثمار المباشر في البلاد.
وفي رسالتها للمرأة المغربية، دعت الخبيرة المالية إلى ضرورة التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية، معتبرة أن التوازن الدائم بين الحياة المهنية والحياة الشخصية أمر غير موجود!. وبحسبها فإنه ينبغي التوفيق بين الفترات التي يتعين تركيز الاهتمام فيها على العمل للاستثمار في المسار المهني في ضوء الفرص المتاحة، وبين الفترات الأخرى التي يتوجب أن تولى فيها الأولية للأطفال والأسرة.
وخلصت السيدة صوفية إلى القول “إن أهم قرار في حياتك هو اختيار شريكك. اختاري بأعين مفتوحة من يرفعك ويؤمن بك ويعتبرك شريكا وليس مجرد زوجة. زوجي هو أفضل صديق، شريكي ووالد أطفالي”.