اقتحام مجال الترجمة الفورية ، ليس بالأمر السهل ، ولا ينحصر في إتقان لغة أو لغتين لممارستها ، بل من أساسيات مهنة المترجم الفوري، أن يمتلك معرفة جيدة باللغة وسياقاتها ، وطرق توظيفها في التعبير .
فالمترجم ، اعتبارا لدوره المحوري في نقل ما يقال بأمانة، خاصة في لحظات تاريخية فارقة ، عليه أن يكون متسلحا برصيد لغوي جيد ، وبخلفية فكرية وثقافية غنية ، علاوة على إلمامه بما يشهده العالم من أحداث وتطورات على كل المستويات.
حسناء بركي ، زيادة على فصاحة لسانها وصوتها الهادئ والمريح ، تمتلك هذه المقومات ، التي جلعت منها مترجمة فورية مميزة ، وقبل أن تنطلق في المجال ، خبرت شروطه ، ومتطلباته الدقيقة لتحقيق هدف النجاح ، لذلك لم تأخذ وقتا طويلا ، لتكون ضمن الاسماء البارزة على قائمة المترجمين ويكون لها صيت في أروقة المؤتمرات الدولية .
بعد حصولها على الباكلوريا ، التحقت حسناء بجامعة الحسن الثاني للدراسة في شعبة الأدب الانجليزي ، حيث نالت الاجازة بتفوق مما أعطاها رغبة في الرفع من درجاتها العلمية ، فاختارت بريطانيا التي تتقن لغتها .
حصلت حسناء بجامعة ليدز البريطانية على الماجستير في الأدب الإنجليزي ، وبنفس الجامعة درست ماجستير أخرى هذه المرة تخصص الترجمة .
تحدثت حسناء ، بكثير من الحب ، في حوار لوكالة المغرب العربي للأنباء ، عن تفاصيل مسارها المهني ، الذي بدأ في قطر بعد مغادرتها بريطانيا ، وتحديدا بمركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير ، ثم بتلفزيون قناة "الجزيرة" ، وهو العمل الذي استهواها لكون الترجمة تتم على المباشر، فصنعت اسما جعلها تتلقى الكثير من العروض .
بعد سنوات من العمل واكتساب الخبرة ، استقالت حسناء من "الجزيرة" لتتفرغ للعمل الحر، فغطت مؤتمرات دولية عديدة داخل وخارج الدوحة ، وعلى إثر سنوات الحصار على قطر ، تقول ، "عدت إلى قناة (الجزيرة) لكن هذه المرة كمتعاونة لترجمة حوارات ولقاءات عدة شهدتها المرحلة ، دون التخلي عن مشروعي الخاص".
مكنني عملي ، تضيف حسناء ، " من التعرف إلى شخصيات وازنة ومرموقة على المستوى العالمي ، وعلى ثقافات مختلفة ، قمت بالترجمة الفورية في أحداث دولية هامة وعشت تجارب رائعة ، لها مكانة خاصة في قلبي وذاكرتي ، منها مفاوضات سلام دارفور التي احتضنتها الدوحة ، وامتدت على مراحل ، حضرتها من البداية حتى النهاية ، وكلما كان يتحقق انفراج جديد فيها ، كنت أشعرت انني جزء من هذا الانجاز ، فعلا كانت تجربة فارقة في مساري المهني " .
كما شاركت ، تضيف حسناء، مع فريق الترجمة في المسار الثاني للمفاوضات السورية التي تمت تحت رعاية الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في بلدان مختلفة بأوروبا ، وبتركيا ولبنان ، تميزت بالعمل على الشق الدبلوماسي لتسوية أوضاع السوريين ، وبإعادة كتابة الدستور.
وعن تقييمها لتجربتها بعد مرور سنوات من الممارسة ، قالت ، حسناء " مهنة الترجمة الفورية ، أضافت لي الكثير في حياتي ، فتحت لي آفاقا رحبة على المستوى المعرفي ، كل يوم أتناول موضوعا جديدا وأعرف معلومة جديدة ، وفرصا للتعرف على شخصيات وازنة ، عربيا وعالميا" .
في رأي حسناء ، المترجم الفوري الناجح ، لا يختلف عن ممارس لمجال آخر ، وقالت " على من يختار مجال الترجمة أن يحبها ، لتعطيه كل أسباب النجاح ،والمثابرة ، ومن شروطها أيضا ، القراءة والاطلاع على مواضيع الساعة ، ومعرفة مسبقة بالشخصية التي قد يتعامل معها المترجم، ولكنته وطريقة كلامه ، والقيام بأي بحث قد يساعد في إنجاز المهمة بشكل مرضي ".
وأوضحت ، بالقليل من الحسرة ، أنها لم تعد تقبل العمل الذي يستدعي تنقلها إلى الخارج ، بعد أن شعرت أن ذلك يتم على حساب مسؤوليتها الأسرية ، لكن مع تطوير نشاطها في قطر التي تحتضن باستمرار العديد من الفعاليات الدولية ، من خلال مؤسسات قطرية ، ووزارات ، كالخارجية والعمل والعدل ، ومع اللجنة العليا للمشاريع والارث المهتمة باستضافة قطر لكاس العالم ، وفي الأنشطة المرتبطة بهذا الحدث الكروي الهام.
حسناء بركي ، التي رأت النور وأطلقت أولى صرخاتها في هولندا ، انتقلت في سن الخامسة من عمرها ، للعيش في المغرب في كنف جدتها بإيعاز من أسرتها . تقول حسناء بهذا الخصوص " الجدة تختلف عن الأم ، هي امرأة متشبعة أكثر بالتقاليد وبالعادات المغربية ، ربتني على هذه الأسس ، ورسخت في داخلي علاقتي بوطني ، بكل تفاصيله ، أعتقد أنني لو ترعرعت مع أسرتي في هولندا، لما كان ارتباطي ببلدي بهذا العمق ".
وخلصت ، حسناء ، إلى القول " أحافظ على كل ما يربطني بالمغرب وطقوسه ، رغم أني عشت فترة في بريطانيا وأعيش حاليا في الدوحة التي أسست فيها أسرتي ، لأن زوجي ، الفلسطيني الأصل مزداد بقطر ، تخرجنا سويا من جامعة ريدز ، وهو من ساهم في اختياري دخول مجال الترجمة ".