سر البدايات، سؤال امتزج، قبل طرحه على إيزانة، بعبق التاريخ والحضارة بواد نون، موطن الميلاد ومرتع الطفولة، ما زالت النفس تهفو له، هنا في هذا الفضاء الصحراوي "العاشق" طرق حب لغة الضاد بابها، رعته، أرادته أن يكبر، راسمة أحرفها سردا ونقدا وقراءات في إنتاجات الكبار من المحيط الى الخليج.
عضوية الاتحاد الأوروبي، نتيجة هذه الرعاية، تبوح إيزانة لوكالة المغرب العربي للأنباء، التي حاورتها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، "لم تأت من فراغ.. بل هي نتيجة مجهود جبار .. مسيرة تخللتها محطات "، إلا أنها تقر بأن البحث الأكاديمي هو " الأرضية الصلبة التي انطلقت منها"، وهو من قرب المسافات بينها وبين هذا الاتحاد الذي حمل هم لغة الضاد.
الاتحاد الدولي للغة العربية كتب شاهدا : " تمنح شهادة الاتحاد لجهودكم المشهودة ، ودعما لكم على التعاون المستمر في خدمة اللغة العربية" ، آملا أن تكون عضوية إيزانة "عونا على العمل المتواصل للمساهمة في استنهاض الهمم للاهتمام باللغة العربية على جميع المستويات" .
هنا تؤكد السيد إيزانة أن الحاصل على عضوية هذا الاتحاد يجب أن يساهم في إعادة البريق لهذه اللغة ومواجهة الهجمة الشرسة التي تواجهها، وتعزيز تواجدها، وطنيا ومحليا ودوليا، بالدراسات والبحوث دون إغفال جانب التدريس، وهي المهمة التي تمارسها إيزانة بحاضرة جهة كلميم واد نون، بعد أن زاولتها بعدد من مناطق المغرب منها الحاجب.
ومنطقيا، واعترافا بالجميل، عرجت الى مسار التكوين ووالبحث الأكاديمي، لتبوح بكلمة عرفان خاصة تجاه أساتذة كان لهم في حياتها الدراسية مكانة خاصة ، منهم السيميائي المغربي سعيد بنكراد ، الذي كان له "حضور قوي في تكوين الأساتذة والطلبة والباحثين وفي فتح مجال البحث والتنقيب في مجال تحليل الخطاب".
وفي معرض الحديث عن التكوين الأكاديمي، استدرجناها قليلا لتتحدث عن سر اختيار موضوع " أنماط المتخيل السجني في الكتابة النسائية المغربية" لنيل الدكتوراه، الذي أشرفت عليه لأستاذة نادية العشيري (جامعة مولاي اسماعيل بمكناس)، فتسر بأن السر هو البحث عن "كتابة شغوفة مشاكسة" ول"شح" الساحة الأدبية والمشهد الثقافي في هذا الجانب .
تتدخل إيزانة ، لتتوقف عند أهمية المجال التربوي لتحبيب اللغة العربية الى الناشئة و"الاستثمار" فيها معرفيا، طبعا الى جانب لغات أخرى، المهمة " ليست بالسهلة" تعترف، فالعربية لم تكن قط لغة راكدة أو جامدة ولا متجاوزة أيضا بل هي لغة العصر وتدخل في "تناقسية شرسة".
وتدعو في هذا السياق الى فتح الباب مشرعا أما التلاميذ والطلبة لرد الاعتبار للغة العربية، لا سيما وأن هناك محاور مهمة "تدق باب التحدي" منها، "العربية والترجمة" و " العربية وحوار الحضارت" والسؤال الأكبر "ما دور العربية في تحقيق التنمية" و " كيفية تدبير الاختلاف مع الثقافات الأخرى". وركزت في جانب من الحوار على دور اللغة العربية في الترجمة، قديما وحديثا، وإغنائها للحقول المعرفية والأدبية كونيا "رغم الظرفية المضغوطة" التي تتعرض لها الآن.
وفي إطار الوعي بثقل المسؤولية والرغبة الجامحة في تشجيع الطلبة والتلاميذ على الانتاج باللغة العربية، تسهر الأستاذة إيزانة بوغاراس بثانوية التميز بكلميم على تنظيم ورشات في الكتابة القصصية والسردية، كفضاء لاكتشاف طاقات شبابية "مليئة حيوية".
وفي إطلالة سريعة، تسترسل إيزانة لتي حصلت على شواهد تقديرية كثيرة، محليا ووطنيا ودوليا، أن الفرد المنتمي الى الصحراء يتأثر بالعربية ب"شكل كبير جدا" لاعتبارات عدة اقتصرت الباحثة الأكاديمية على سرد بعض منها كتأخر تأثر أهل الصحراء برياح التأثر باللغات الأجنبية الأخرى " هذا الذي لم لم يكن مبكرا" فاختار مجموعة من الباحثين شد الرحال الى التخصص في اللغة العربية .
العمل الجمعوي ..نافذة أخرى
ليست اللغة العربية وحدها النافذة الوحيدة لإيزانة، التي حصلت مؤخرا على عضوية (منظمة الإنسان العالمية) لعطائها الرائد في عالم التطوع، لإثباث الذات بالمجتمع، بل اختارت مبكرا الاطلالة من نافذة العمل الجمعوي ل"دوافع شخصية قوية .." ول " لتشربها بفكرة الفعل التطوعي الانساني الذي لا ينتظر مقابلا".
وكان من بواكير هذا الشغف والانغماس في العمل الجمعوي ميلاد (جمعية المنتدى النسوي للتأهيل المجتمعي) سنة 2003 ، الذي تأسس لتأهيل المرأة بمنطقة واد نون وتوجيهها داخل المجتمع ب"دون قراءات أو خلفيات.." ..وتلت هذا المنتدى مشاريع ومبادرات تطوعية ساهمت فيها جمعيات نسائية.
لم يفت إيزانة أن تلفت الانتباه الى مخاطر تؤرقها ، كما تؤرق كل المهتمين بلغة الضاد، منها قلة التردد على الكتاب، الذي قالت إنه هو من يستفز الذاكرة للمعرفة والعمل، في زمن تسيطر عليه التكنولوجيا والتقنية، والأمل هو الناشئة "المعول عليها" لا سيما عبر تأسيس وإعداد النوادي التربوية، التي لا يخفى دورها في صقل مواهبهم وتشجيعهم على الانتاج.
شهرزاد تنثر بعقدها على الصحراء ..
هي من كتبت ذات يوم تحت عنوان "ثورة رماد" (كأول همس على شفة عراء الماضي/تنطقين من زندي جرح الألم/تتنهّدين كطير أتعبه الريح/تكابرين في عناء موت الأيام/
ترقبين طقسا وراء طقس بلهفة تعتصر حلما/أنت../قبلة مسافرة بين شظيات نبض مرتجف/في صقيع الذهول/عالم ممتد بين كفَّي يُسائلك/أأنت الوطن ..الحلم؟/أراك ترتحلين.. إلى العشق المشتهى/وتكبرين فوق الصخر بشراسة المحن/تعبرين الفصول بين أضلعي/أنت../تُبعثين بلْسمًا ..تصنعين الوطن بنهشة الأمل...)
هي إيزانة، الطموحة، النبض الذي لا يتوقف، حاضرة في الفضاء التربوي والثقافي والأكاديمي.. هكذا يمكن تلخيص سيرة إيزانة، والتي تطمح الى تمكين النساء من المقام اللائق بهن عبر تفعيل بنود دستور المملكة.
"نحتاج لبناء الانسان"، والى مبادرات خلاقة، لهذا تشارك مع مدربين معتمدين، وطنيا ودوليا، في تنظيم لقاءات تكوينية خاصة بالتنمية الذاتية، مبررة ذلك بالحاجة إلى إنسان مؤهل ومكون، في زمن "تتسارع" فيه المبادرات والافكار عالميا.
وخلصت الى أن "شهرزاد بدأت تنثر بعقدها على الصحراء"، حيث برزت كتابات نسائية بالصحراء أصبحن يؤثرن على المشهد الأدبي بمقاربتهن لتيم منها "الغياب" و"الانتظار" و"العتمة"، معتبرة أنها " كتابات جريئة".